ماذا فكّر الأسد في الطائرة نحو القمة؟

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

اعترضتني رحلة الحج رقم 93 للبابا يوحنا بولس الثاني رأس الكاثوليكية في العالم، نحو سوريا عند كتابة هذا المقال. جاء بابا روما الذي هزّ ثوابت دولية متقفيّاً خطى بولس الرسول من أثينا مروراً ببيروت فدمشق حتى مالطا. كانت الزيارة في 8-5-2001 وتحفل بالرموز الحيّة، حيث زار الجامع الأموي الكبير لدى وصوله إلى دمشق. عندما وقف أمام ضريح يوحنا المعمدان في بهو الجامع، صفق له المؤمنون مطلقين صرخات حارّة: الله أكبر. كان أول حبر في التاريخ يدخل مسجداً.‏

 ماذا قال هذا البابا في دمشق؟ قال: «أعي بعمق أنني أزور أرضاً عريقة لعبت دوراً حيوياً في تاريخ هذه المنطقة...أدعوكم إلى الالتزام بحوار دائمٍ وعدم الصراعات. نعم. الاحترام المتبادل والتفاهم والسلام وإعطاء كل شعب في هذه المنطقة حقوقه المشروعة، وذلك بهدف الصفح المتبادل عن كل مرّة أهان فيها طرف طرفاً آخر...‏».

 لم تكن مجرد مصادفة عابرة إشارة البابا إلى أنه «على مر الأزمان، تعرّضت مجموعات عدة للاضطهاد والعنف.. ولكن هذه الجماعات كانت تجد في سوريا ملجأً دائماً لها كي تعيش بأمن وسلام».

 سقطت الاستهلالية عفويّاً، لدى سماعي على الشاشات فيصل المقداد وزير الخارجية السوري يقول بثقةٍ لدى استقباله في مطار مدينة جدة، برفقة وفدٍ رسمي قبيل انعقاد القمة الثانية والثلاثين المنعقدة أمس (الجمعة): «هذه فرصة جديدة لنا لنقول لأشقائنا العرب؛ إننا لن ننظر إلى الماضي وإنما إلى المستقبل».

 نعم. كلّ شعوب المنطقة تتطلّع نحو المستقبل، وهذا أكثر من صحيح أعني به المستقبل العربي بكلّ ما يعنيه لدول العالم الكبرى والصغرى. لماذا؟

1- لأنّ المملكة العربية السعودية بلغت تحوّلاً تتقفّاه العيون العالمية، إذ يتجدّد المستقبل الواسع حرّاً ومتحوّلاً في جدليات الشرق والغرب، ليقلق مستقبل عظمة العواصم الدولية موسكو وواشنطن وبكين وعواصم الشمال والجنوب. ويحتلّ العنوان البارز في رؤية/استراتيجية 2030 لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومشروع بناء مدينة نيوم بصفتها مركزاً مستقبلياً للعمران والمال والاقتصاد وحتى للسياحة، الانتباه والاهتمام الدوليين الدقيقين.

2- لأنّها وكأنها قمة سورية، بل محطة تعد بالخروج نحو المستقبل العربي يشارك فيها الرئيس بشار الأسد، عقب دزينةٍ من السنوات المُثقلة بالتهديم وبعثرة الأزمنة العربية بالكوارث والتشظيات والحروب الهائلة التي دمغت العقد بمآسي ما سّمي ب«الربيع العربي».

 سؤال: تُراه ماذا كان يفكّر الرئيس الأسد وهو يستقلّ الطائرة وحيداً من دمشق نحو جدّة؟ لنتخيّل كلمات ثلاث كانت تدندن في رأسه: «الله حامي سوريا».

 ليست الكلمات عنواناً لمقال، ولا صلاة لرجل دين، ولا ابتهالاً للبناني أو عربي أو سوري وحسب، بل هي قفلة لخطاب سياسي للدكتور بشار الأسد سقطت في وجدان السوريين فتلقفها المطربون في سوريا وراحوا يغنونها راسمين بكلماتهم وألحانهم وأصواتهم قدراً كبيراً من الوسامة والصلابة والصبر والذكاء والإيمان بالمستقبل. ليس أقوى من الوجدان الوطني الشعبي في تلقف كلمات حكامهم وسلوكهم. تلك الجملة التاريخية صارت أغنية ولوحات أو قصائد تحلم بالمستقبل.

 أتخيّل الجملة في رأسه مصحوبة بابتسامته وحيداً، تعبيراً عن انقشاع الغيوم والعبور إلى ضفة الصفر مشاكل تختصر مدى بداية كشح الضغوط الإقليمية والدولية، التي تعرّض ويتعرّض لها زعماء العرب المجتمعين بجدة.

 يمكن القول إن حجم الضغوط والتهديدات التي تعرضوا لها، بلغت مستويات لم نشهدها بهذه الحدة منذ الاستقلال وخصوصاً في وجه سوريا ولبنان. لا مغالاة مثلاً، بأنه منذ قانون محاسبة سوريا (12-12-2003) إلى قانون قيصر(15-10-2016) تهافت كُثر يصعدون أدراج البيت الأبيض ومباني الأمم المتحدة والخارجية الأمريكية ومجلس الأمن، خلف القرار 1559 وملحقاته الذي جعل من سوريا ولبنان، الشغل الوحيد للمحافل الدولية التي أهملت 640 قراراً يلفها النسيان في خزائن الأمم المتحدة، وكلّها كانت تطالب العدو بالانسحاب من الأراضي العربية.

3-  يختصر انتظارات اللبنانيين من القمة ب«عودة لبنان إلى لبنان»، والمساعدة للتخلص أو التخفيف من الانهيارات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية الشاملة غير المسبوقة، ولو أن سياسيينا يراكمون الفراغ في انتخاب رئيس للجمهورية. لكنهم يراهنون على التوافق السعودي - الإيراني والسعودي - السوري وعلى عواصم العالم.

 لا، لاجترار الحبر في سوريا ولبنان وتقارب العرب من أجل الحداثة والنهضة. يتقاربون حتى الوله والإلحاح في طلب الوحدة، ويتباعدون حتى الجفاء والاستعداء. كان يكفي الكلمة والمبادرة الطيبة من هنا أو هناك لتعود العلاقات إلى التثمير. تلك علاقات خاصة ومميزة قد تتجاوز القوانين والاتفاقيات والسفارات والحدود والحكام، وكل التدخلات الخارجية تبقى ممهورة بالجغرافيا ولو هزّوا التاريخ تحت أوطاننا.‏

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhsu95w

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"