عادي

يوسف الشاروني..مشروع في التجريب القصصي

20:05 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

استمر النظر للقصة القصيرة، في شكلها الحديث، بوصفها فنّاً مستحدثاً في الأدب العربي، على الرغم من محاولات التأصيل لها، ومن اللافت للنظر أن هذا النوع الأدبي ظل لفترة طويلة حبيس أشكال تعبيرية منقولة، إما عن التراث القصصي العربي، مثل المقامة، أو عن الأدب الغربي عبر الترجمة.

ظلت القصة القصيرة على هذه الصورة في فترة نشأتها ونموها في الأدب العربي، وأرسيت في تلك الفترة دعائم راسخة، ظل التجديد جزئية في ظلها، على الرغم من قابلية هذا النوع من الأدب للتطوير الشامل، إذا وضعنا في الاعتبار تلك المرونة الشديدة التي تتمتع بها عناصره، إذا ما قيس بفنون أخرى مثل الشعر.

وقد عرف الأدب العربي القصة القصيرة في أوائل القرن العشرين وأسهم رواد كتابتها في تطوير أدائها التعبيري عبر أكثر من مئة عام، وكان ذلك عبر محاولاتهم تجريب أشكال تعبيرية غير مسبوقة، بعضها تمت استعارته من فنون أخرى والبعض من ثقافات أخرى، ومن هؤلاء الرواد يوسف الشاروني الذي بدأ مشواره الإبداعي في الثلاثينيات من القرن العشرين، وعمل في كتاباته على تجريب طرق جديدة اعتمدت على رؤية ما تم استحداثه في ذلك القرن الفارق.

اعتمد يوسف الشاروني على تطور الرؤية العلمية والنفسية وحاول المزج بينها وبين التعبير القصصي، حيث تيار الوعي والتيار الكابوسي والتعبير عن ازدحام اللحظة بمشاعر متناقضة، ومحاولة تخليص القصة القصيرة من الزوائد التعبيرية وغيرها من التقنيات في جوانب القصة كافة، بما يجعله رائداً للتيار التعبيري في القصة العربية الحديثة.

وكما يقول هيثم الحاج علي في كتابه «التجريب في القصة القصيرة.. دراسة في قصص يوسف الشاروني» فإنه على هذا الأساس تبدو أهمية دراسة القصة القصيرة عند يوسف الشاروني، الذي بدأ مشروعه الإبداعي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين كانت مصر بوتقة تنصهر فيها الاتجاهات التحررية، وحين كان الإنسان في كل أنحاء العالم يعاني من رعب دائم منبعه أهوال الحرب، وحين كان المد الاشتراكي قد بدأ التوغل في مصر، وحين بدأ ذيوع الاتجاهات الحديثة في الشعر، وحين بدأ العرب يعرفون السيريالية والدادية ومسرح اللامعقول والمسرح التغريبي.

يرى هيثم الحاج علي أن مشروع الشاروني استمر لأكثر من نصف قرن، كانت قصته خلاله تحاول أن تفتح دروبا جديدة للتعبير القصصي، على الرغم من قلة إنتاجه، ويبدو تجريبه في القصة القصيرة مجالا مهما في دراسة قصته، حيث تبدأ أولى مظاهر هذا التجريب في وعيه النقدي بالأزمة، التي وصل إليها الإبداع الأدبي المعاصر، من حيث تخلفه عن مسايرة التغيرات التي طرأت على هذا العصر/ عصره، وقد حاول الشاروني أن يحل هذه الأزمة عن طريق تحديده لخصائص الأداء الأدبي المعاصر.

تتمثل هذه الخصائص في التالي: التعبير عن ازدحام اللحظة الواحدة بانفعالات متناقضة، والكابوسية والتعبير عن اغتراب الفرد في مجتمعه، والارتباط بالتراث والإبداعات السابقة مع تطوير رؤيتها بحيث تتلاءم مع العصر، إضافة إلى الرؤية الفردية في مواجهة الرؤية الاجتماعية وإعلاء قيمة الفرد في مواجهة الجماعة، وطغيان قيمها، كذلك الاستعانة بإجازات العلوم الأخرى.

يرى هيثم الحاج علي أن هذه العناصر تواترت في كتابات الشاروني النقدية بصورة تعبر بجلاء عن وعيه بموقفه، وثباته عليه، الأمر الذي جعل من هذا الموقف عنصراً منتجاً لأشكال تعبيرية مستحدثة، استطاعت أن تؤصل لنقطة تحول مهمة في تاريخ تطور القصة القصيرة العربية، كما شكل هذا الوعي ذاته نقطة ارتكاز أصيلة في سبيل نعت مشروع الشاروني الإبداعي بالتجريب، ولعله كذلك يؤدي إلى النظر لأهمية دراسة القصة القصيرة لدى الشاروني على أساس كونها قصة تجريبية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5dxeujfh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"