صراع ينفلت

00:50 صباحا
قراءة دقيقتين

تبدو الهدن المتوالية بين الطرفين المتحاربين في السودان مجرد ستار وهمي يبيّض وجهي الطرفين أمام القوى الإقليمية والدولية الضاغطة باتجاه تهدئة ساحات الصراع، على الأقل رحمةً بالمدنيين الذين يدفعون أكثر من غيرهم ثمناً فادحاً للمأساة، نزوحاً ولجوءاً وتشريداً وخيبة أمل في التنعم بوطن مستقر.

لم تسلم هدنة منذ بدأت المواجهات في 15 إبريل/ نيسان الماضي من الاختراق، رغم إعلان الطرفين الالتزام بها في كل مرة، لكنهما يعودان لتعليل ذلك باتهام الطرف الآخر بالمبادرة إلى الهجوم.

وحتى حين وقّع الطرفان على ما عُرف بإعلان المبادئ في جدة برعاية أمريكية وسعودية، بعد نحو شهر من تفجّر الصراع، اشتدت ضراوة المواجهات وزاد قلق السودانيين، رغم أن هدف الإعلان كان حماية المدنيين والسماح بعبور المساعدات الإنسانية. وربما سمح بتضييع هدف الإعلان على أهميته، وقت توقيعه، أنه لم يتضمن تعهداً من الطرفين بوقف تبادل إطلاق النار.

ورغم ادعاء الطرفين مع نهاية كل هدنة الرغبة في تمديدها، يؤكد توالي الأحداث غير ذلك، فلا جدوى يلمسها السودانيون وغبار المعارك يخفي أي أمل في استعادة الهدوء، بل إن الاشتباكات لم تستثنِ مواقع التمثيل الدبلوماسي، ما يوحي، للأسف، باختلاط الحابل بالنابل وغياب الجهة القابضة على مجريات الأمور.

وسط ذلك كله، لا غرابة أن يتصاعد الحشد المنذر بأن التحذيرات من انفلات الصراع وخروجه عن حدود طرفيه الأصليين لا يسمعها أحد. وبينما يعود الحديث عن هدنة جديدة لا معنى لها، وبينما دعت واشنطن والرياض الطرفين المتحاربين إلى مواصلة النقاش لتمديد وقف إطلاق النار من أجل تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب السوداني، يجد السودانيون أنفسهم مدفوعين إلى قلب المعركة ومطالبين بحمل السلاح، دفاعاً عن أنفسهم وممتلكاتهم.

ما معنى أن يدعو حاكم إقليم دارفور «أهل دارفور شيباً وشباباً، نساء ورجالاً، إلى حمل السلاح لحماية ممتلكاتهم»؟ هل يبرر ذلك أن «الاعتداءات على المواطنين تضاعفت، وكثيرين لا يرغبون في سلامة وحقوق المواطنين، ويتعمدون تخريب المؤسسات القومية»، حسب قوله؟ أليست هذه مؤشرات انزلاق إلى توسيع دائرة الفوضى؟

ربما شجع على هذا التصرف دعوة وزارة الدفاع السودانية، قبل أيام، متقاعدي القوات المسلحة و«كل القادرين على حمل السلاح» للتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأميناً لأنفسهم وذويهم، وذلك رداً على ما قالت الوزارة إنه تجاوزات قوات الدعم السريع ضد المدنيين ومتقاعدي الجيش، وما وصفته ب«إذلال رموز الدولة».

وردت قوات الدعم السريع على إعلان الجيش تسليح متقاعديه باعتباره دليل فشل في ميدان المعركة، رغم أن الفشل لا يستثني أحداً ممن يؤججون الصراع ويواصلون المقامرة بمقدرات الشعب السوداني وخيراته والانحراف عن مسار المعركة الحقيقية التي يجب أن تجمع كل أبنائه المخلصين في مواجهة من يريدون تركه أسير القلق على حاضره ومستقبله، وأن يصبح كل همه نيل ما تسمح الاشتباكات بمروره من مساعدات إنسانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5hdt844t

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"