عادي

ليبيا.. «ألغام» محتملة في طريق الانتخابات

00:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
اجتماع سابق للجنة «6+6» حول القوانين الانتخابية (أرشيفية)

د. محمد فراج أبو النور*

الأسبوعان المنقضيان شهدا سلسلة من الاجتماعات والمحادثات بين الأطراف الليبية المنخرطة في عملية التسوية، بمشاركة أممية ودولية واسعة. وأحيطت هذه الاجتماعات بتغطية إعلامية مكثفة حفلت بإشارات متفائلة مؤدّاها أن هناك ما يبعث على الأمل في تحريك العملية السياسية في ليبيا من النقطة الميتة التي تراوح فيها منذ سنوات، والتي توصف بأنها حالة «انسداد سياسي».

أولى هذه المحادثات هي اجتماعات لجنة (6+6) بين ممثلي مجلسَي النواب والأعلى للدولة في بوزنيقة (المغرب)، التي بدأت في 22 مايو الماضي، والمكلّفة بوضع القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية على أساس التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري.

الاجتماع الثاني، هو اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، والاجتماع الثالث هو اجتماع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن مؤتمر برلين (2020) والتي تضم اللجنة العسكرية (5+5)، وممثلي الهيئات والمجموعات العسكرية والأمنية الأخرى في ليبيا، وتعمل تحت إشراف أممي، وبمشاركة في رئاستها من ممثلي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ومصر وتركيا والاتحاد الإفريقي. وكان هذا الاجتماع هو أول اجتماع للمجموعة ينعقد في طرابلس. وترأسه المبعوث الأممي الخاص عبدالله باتيلي. ومعروف أن المهمة الرئيسية للجنة (5+5) هي تثبيت وقف إطلاق النار في البلاد، والعمل على توحيد القوات المسلحة في الشرق والغرب الليبيين، وحل الميليشيات.. الخ.. بينما يفترض أن تهدف مجموعة العمل الأمنية لتحقيق الأهداف نفسها، مع تحقيق أهداف أوسع مثل منع تدفق السلاح من الخارج، وخلق الظروف الكفيلة بتخفيف التوتر الأمني في ليبيا عموماً، وخروج المرتزقة الأجانب، وما يتصل بمنع الهجرة غير الشرعية.. إلخ.. والمنطقي أن يتضافر عمل اللجنة و«المجموعة» لتهيئة ظروف مؤاتية لإجراء الانتخابات نزيهة في أجواء من الأمن والاستقرار.

تسريبات (6+6)

مساء الثلاثاء، 30 مايو/ أيار، انطلقت على نطاق واسع تسريبات عن أعمال لجنة (6+6)، تشير إلى توافق أعضاء مجلسَي النواب والدولة المشاركين فيها على أهم النقاط محل التفاوض من أجل إعداد القوانين المنظمة للانتخابات، وتدفق سيل من التقارير والأحاديث المفعمة بنبرة التفاؤل حول عمل اللجنة وأهم هذه التسريبات، هي:

1 – التوافق على تشكيل حكومة مصغرة مهمتها إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتكون مدة ولايتها ستة أشهر، غير قابلة للتمديد، يتم خلالها إجراء الانتخابات.

2 – توافق على إجراء الانتخابات البرلمانية خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2023، والانتخابات الرئاسية في شهر يناير/ كانون الثاني 2024.. أي بعد شهر من الانتخابات البرلمانية.

3 – على مزدوجي الجنسية التخلي عن جنسيتهم الثانية كشرط للترشح.

3 – عدم السماح للصادرة ضدهم أحكام أو المطلوبين للعدالة بتقديم أوراق ترشيحهم.

والحقيقة أنه بالرغم من نبرة التفاؤل، فإن هناك ألغاماً تنطوي عليها التوافقات المذكورة.

أولاً: ليس هناك في مناخ العلاقات بين الدول الغربية الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وبين حكومة عبد الحميد الدبيبة ما يشير إلى استعداد تلك الدول للتخلي عنه، ما دامت حكومته تقوم بالمطلوب منها لخدمة المصالح الغربية، وفي مقدمتها تدفق النفط والغاز المطلوبين لتعويض النفط والغاز الروسيين. كما اتفق الدبيبة مع المبعوث والسفير الأمريكي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، على تنسيق سياسة طرابلس مع الولايات المتحدة بشأن السودان، وعلى المستوى الإقليمي عموماً، إضافة إلى التنسيق المخابراتي.

ثم، متى وكيف سيتم تشكيل هذه الحكومة؟ علماً بأن المبعوث الأممي باتيلي نفسه تحدث أمام اجتماع (مجموعة العمل الأمنية) في طرابلس عن «العقبات الجسيمة» التي تعترض الانتخابات في ظل الظروف الأمنية الحالية.

إلغاء التزامن

ثانياً: تشير التوافقات المسرّبة إلى تنازل كبير قدمه ممثلو مجلس النواب أمام ممثلي مجلس الدولة، يتمثل في الموافقة على إلغاء «مبدأ التزامن» بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بحيث تجري الانتخابات البرلمانية في (ديسمبر 2023) وتجري الانتخابات الرئاسية بعدها بشهر (يناير 2024)، بينما كان «التزامن» مبدأ أساسياً في مرجعيات التسوية السابقة، بما فيها خارطة الطريق الأممية (سيتيفاني ويليامز)، وخارطة الطريق البرلمانية، والتعديل الثالث عشر، والحقيقة أنه تنازل ليس له أي مبرر منطقي.. كما أنه ينطوي على إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية، ثم «تفجير» الانتخابات الرئاسية بأية ذريعة، بحيث يظل البرلمان وحده، هو هيئة السلطة الشرعية الوحيدة، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية المضطربة المعروفة، ويمكن وقتها فرض نظام برلماني، وانتخابات (رئيس هامشي) من جانب البرلمان، في سياق التخلي المستمر من جانب ممثلي (الشرق) عن المرجعيات التفاوضية والسياسية.

شخصنة القوانين

ثالثاً: موافقة ممثلي (النواب) على مبدأ تخلي المرشح مزدوج الجنسية عن جنسيته الثانية كشرط للترشح تراجع كبير آخر أمام (مجلس الدولة) المعروف بمطالبته بإقصاء قائد الجيش الوطني خليفة حفتر. وكان المستشار عقيلة صالح طرح اقتراحاً بإلزام مزدوج الجنسية- في حالة فوزه- بالتخلي عن جنسيته الثانية كشرط لاستلام المنصب.. وهو اقتراح معقول تماماً، ويحافظ لحفتر على (حصانته الأمريكية) من الملاحقة في حالة خسارته للانتخابات.

رابعاً: الموافقة على منع ترشيح «المطلوبين للعدالة موقف موجّه» ضد سيف الإسلام القذافي الذي حصل على حكم بالبراءة من محكمة ليبية، بما يعطيه حصانة ضد المحاكمة الدولية، كما حصل على حكم بأحقيته في الترشيح في الانتخابات التي تم تعطيلها، ومعروف أن هذا كان من أهم أسبابه إصرار أمريكا على التعطيل.

وشخصنة القوانين ضد حفتر والقذافي ومنع ترشيحهما خطوة يمكن أن تكون سبباً مباشراً لإثارة عدم الاستقرار، لأنهما مرشحان من الوزن الثقيل جماهيرياً.

باختصار، فإن توافقات (6+6) تمثل تنازلات (شرقية) غير مبررة أمام مجلس الدولة و«الإخوان»، وهي لا تقرب الانتخابات الديمقراطية خطوة واحدة.. بل تخضعها لشروط «الغرب الليبي» و«الإخوان» إذا قدّر لها أن تجري وتفتح الباب لعدم الاستقرار.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/83xrebwc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"