عادي

العنف ضد النساء.. سلوك جاهلي

23:07 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة - بسيوني الحلواني:
أرجعت دراسة اجتماعية حديثة بجامعة القاهرة أسباب ارتفاع معدلات العنف ضد النساء إلى المفاهيم الدينية الخاطئة التي لا تزال عالقة في عقول الرجال، حيث لا يزال بعض الآباء يرون أن من حقهم شرعاً ضرب أولادهم من بنين وبنات بهدف التأديب والتهذيب، كما يعتقد كثير من الأزواج بأن الشرع أعطاهم حق ضرب زوجاتهم مع كل تصرّف لا يروق لهم، ومثل هذه المعتقدات الخاطئة تضاعف مشكلة العنف ضد المرأة عموماً في عالمنا العربي.

الصورة

يدين العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، العنف ضد النساء، والذي تنامى في عالمنا العربي في السنوات الأخيرة، ويرى أنه من رواسب الجاهلية التي لا تزال موجودة في البيئة العربية، ويقول: «من العبث ممارسة هذا العنف تحت شعارات دينية، فالشريعة الإسلامية كفلت للمرأة، ابنة وزوجة وأختاً وأماً، كل حقوقها، ونظَّمت علاقتها بكل المحيطين بها من أفراد أسرتها، بل وكفلت لها كرامتها في المجتمع كله، بحيث تؤدي دورها، وتحقق رسالتها، وتكون أداة استقرار وبناء وتنمية وطمأنينة، وبالتالي فلا يجوز شرعاً إيذاؤها نفسياً أو بدنياً، كما لا يجوز إهدار حقوقها الشرعية التى عددتها الشريعة، وجرّمت كل سلوك ينافي ما قررته وحثت عليه».

ويطالب د. هاشم بضرورة التفرقة بين ما يفعله الحمقى ضد أولادهم ونسائهم من ممارسة للعنف، وما يفعله بعض الآباء في لحظة غضب أو انفعال، حيث يضرب الأب ابنته ضرباً خفيفاً رمزياً يعبّر به عن غضبه وعدم رضاه عن سلوكها، مستهدفاً مصلحتها وصرفها عن سلوك أو تصرف يراه منافياً للقيم والمبادئ والأخلاق التي يريد أن تعيش ابنته في ظلالها.

وينتهي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إلى تذكير جميع الرجال، بأن الإسلام دين رحمة ورأفة وعفو، وهو يفرض على كل الرجال أن يعاملوا بناتهم وزوجاتهم وشقيقاتهم وزميلاتهم في العمل، وكل امرأة يلتقون بها بكل رحمة ورأفة، وأن يقدموا لهن كل مساعدة في ظل الالتزام بحدود الله وضوابط وأخلاقيات الإسلام.

نصيحة للأزواج

ويخص د. هاشم الأزواج بنصيحة، ويقول: ليس في قول الحق سبحانه «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم في تبغوا عليهن سبيلاً» رخصة لضرب النساء، والذين يفهمون ذلك مخطئون ويحرفون الكلم عن مواضعه، وهؤلاء يتبعون منطق «ولا تقربوا الصلاة»، وهو منطق مفروض، لأن الإسلام الذي أباح للزوج في حالة نشوز وتمرد وعصيان زوجته أن يعبر عن غضبه، ورفضه لسلوكها بضرب رمزي، لا يكسر عظماً، ولا يشوه وجهاً، ولا يهدر كرامة، هو نفسه الذي أوصى الرجال بمعاشرة نسائهم بالمعروف، حيث قال الحق جل شأنه: «وعاشروهن بالمعروف».. كما أوصى برعاية الرجل لزوجته، وبيّن أنها ستار ووقاية له، وهو ستار ووقاية لها، وكان التعبير القرآني أبلغ ما يكون حيث قال الله تعالى عن هذه العلاقة: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن».

إدانة

تؤكد د. عفاف النجار أستاذة التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر والعميدة الأزهرية السابقة، أن الإسلام يدين كل سلوك يحتوي على عنف وقسوة ضد المرأة في مختلف أطوار حياتها، منذ أن يقدر لها الله الحياة في أحشاء أمها، حيث لا يجوز شرعاً إسقاط جنين من أحشاء أمه بسبب جنسه، ولذلك يحرم تحريماً قاطعاً وأد البنت، أي التخلص منها سواء قبل خروجها للحياة أو في مرحلة التكوين كما تفعل بعض الأسر التي لا ترغب في إنجاب البنات.

وتشير إلى سلوك عنيف ومرفوض ومحرم شرعاً، وهو شائع ضد المرأة في كثير من بلادنا العربية، ويتمثل في حرمانها من حقها الشرعي في الميراث، وتقول: «للأسف لم تزل هذه الظاهرة لها رواسبها في بعض البيئات التي تحرم النساء من حقوقهن التي فرضها الله تعالى في القرآن الكريم».

ومن مظاهر العنف ضد المرأة وإهدار أهم حق من حقوقها، كما تقول د.عفاف النجار، «إكراهها على الزواج من إنسان غير راغبة فيه ولا موافقة عليه»، فالإسلام أوجب ضرورة أخذ رأيها وموافقتها، وشرع رؤية كل منهما للآخر قبل الزواج.

وتختتم د. عفاف النجار نصائحها وتوجيهاتها لكل من يرتكب سلوكاً خاطئاً ضد زوجته أو ابنته أو شقيقته أن يتوب عن ذلك ويعود إلى آداب وأخلاق ديننا العظيم، ويكون قدوته ومثله الأعلى في الإحسان إلى المرأة هو رسول الإنسانية صلوات الله وسلامه عليه، وهو القائل: «ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم».

التربية الأخلاقية

يوضح د. محمود ربيع أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن جملة ما قدّمه الإسلام من تشريعات لحماية حقوق المرأة، لم تحظ به النساء في أي منظومة حقوقية أو ثقافية أخرى، فالإسلام في تشريعاته التي تكفل للمرأة حقوقها، كفل لها كل ما يوفر لها حياة كريمة في المجتمع الذي تعيش فيه، وتبقى تشريعات الإسلام موضع تنفيذ، سواء من جانب الفرد أو المجتمع.

ويضيف: «المرأة هي الأم والزوجة والبنت والأخت، وتشريعات الإسلام وتوجيهاته كثيرة ومتنوعة في حسن التعامل مع المرأة، وفي تحريم العنف ضدها، المرأة هي سكن للرجل، وبينهما يجب أن تسود المودة والمحبة لا العنف والقسوة».

وحول الحاجة إلى سن تشريعات إضافية تحمي حقوق المرأة يقول د. ربيع: «أعتقد أن التشريعات التي تحمل عقوبات لكل من يعتدى على حقوق المرأة موجودة في كل البلاد العربية، وبالتأكيد تشريعات ردع المسيئين والمتجاوزين مطلوبة، لكن مواجهة التجاوزات السلوكية الخاطئة ضد النساء لا تكون بالقانون وحده، فما أيسر أن يفلت الناس من طائلة القانون، ولكن لابد لمناهضة ظاهرة العنف ضد المرأة، من غرس الضمير الديني الذي يفرض على الرجل أن يحترم المرأة ويصونها، ويعلم أن الله سيحاسبه على ظلمه لها وعنفه معها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5h3aehb4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"