عادي

«شهادة انتحار» الثانوية العامة.. كابوس سنوي في بيوت المصريين

15:14 مساء
قراءة 4 دقائق

تحولت مرحلة الثانوية العامة في مصر إلى كابوس لازم عدداً كبيراً من البيوت المصرية، خاصة مع تزايد حالات الانتحار بين الطلاب أثناء فترة الامتحانات، وعند إعلان النتيجة.

وخلال أيام معدودة، وبالتزامن مع بدء الموسم الحالي من امتحانات الثانوية العامة في مصر، أنهت طالبة في محافظة الدقهلية حياتها بسبب عدم تمكنها من الحل بشكل جيد في مادة اللغة الإنجليزية، حيث أقدمت الطالبة على تناول «حبة الغلة السامة» الشهيرة في مصر.

وفي محافظة بورسعيد حاولت طالبة أخرى إنهاء حياتها بإلقاء نفسها من الطابق الثاني من المدرسة بعد الانتهاء من الامتحان مباشرة، لكن تم إنقاذها وتتلقى العلاج حالياً.

وفي العام السابق تم رصد 8 حالات انتحار، وفي عام 2021 تم رصد 9 حالات بين طلاب الثانوية، خاصة بعد إعلان النتيجة، وتباينت وسائل الانتحار بين الشنق وتناول السم أو الأدوية، والقفز من الشرفات، والصعق بالكهرباء.

تزايد حالات الانتحار

ووفقاً لتقرير صادر عن إحدى مؤسسات دعم المجتمع المدني، اعتمد على رصد التناول الصحفي لحالات الانتحار والتغطية الإعلامية عنها بالمواقع المصرية، في الفترة من أكتوبر الأول 2022 حتى مارس 2023، تم رصد 147 حالة انتحار.

قُسمت هذه الحالات لعدة فئات، واحتل الترتيب الثالث فيها الطلاب والطالبات (لا سيما طلاب الثانوية العامة والأزهرية) ب 14 حالة انتحار بنسبة 9.52%.

هذا بالإضافة لحالات أخرى توفي فيها طلاب وطالبات داخل لجان الامتحان، نظراً لإصابتهم بأزمات قلبية نتيجة الخوف والتوتر الشديد.

القلق الصحي والمرضي

أكدت الدكتورة رشا الجندي استشاري الصحة النفسية، في حديثها ل «الخليج»، أنه تجب التفرقة بين القلق الطبيعي والصحي الذي يجعل الطالب يهتم بمذاكرة دروسه، ويحسّن من إقباله على التحصيل العلمي، ويعيش خلاله حياته العادية من النوم والأكل والتعامل مع الآخرين، وبين القلق غير الصحي «المرضي» الذي يجعل الطالب غير قادر على المذاكرة، أو ينسى ما تمت مذاكرته، ولا ينام أو يأكل أو ينعزل ولا يلتقي بآخرين، أي يتحول لإنسان لا يمارس حياته الطبيعية.

ولفتت رشا الجندي إلى أن بعض الأسر تقوم بفرض حالة طوارئ داخل المنزل خلال فترة امتحانات الثانوية العامة، وتمنع الزيارات أو الخروج، وتطلب من الابن أن لا يفعل شيئاً سوى المذاكرة باستمرار، وبالتالي يزيد قلق الطالب، ما يؤثر بالتأكيد على تحصيله العلمي، فيتأثر نفسياً لاحقاً إذا لم يحصل على درجات مرضية لتوقعاته، لذلك يجب على الأسر أن يكونوا معتدلين في مشاعرهم وأفكارهم تجاه هذه المرحلة.

ضغوط على الأبناء

وأضاف الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، في حديثه ل«الخليج»، أن الثانوية العامة هي المفتاح السحري لدخول الجامعات، وقد اختلف الوضع الآن عن الماضي، حيث زادت الاحتمالات بين دخول الجامعات الخاصة أو الأهلية، ولكن يظل الصراع مستمراً لأجل دخول الجامعات الحكومية بأقل التكاليف.

وأوضح أن بعض الأسر تتسبب في ضغوط كثيرة على الأبناء من طلاب الثانوية، وتحدث مقارنات بينهم وبين الأقارب، وأحياناً مضايقات، وربما تأنيب أيضاً من الوالدين للطالب نظراً لحجم التكلفة المادية الكبيرة التي يتم إنفاقها عليه في هذه المرحلة، وربما أيضاً محاولات إحباطه بأن كل هذا المجهود في المذاكرة لن يثمر عن نتيجة في النهاية.

وأشار جمال فرويز إلى أن بعض الطلاب المراهقين ربما يكونون «شخصيات عصابية»، أي لديهم استعداد مرتفع للتوتر، وبالتالي فإن هؤلاء الطلاب العصابيين حينما يتعرضون لضغوط مادية، أو عاطفية، أو تعليمية، أو أي ضغوط مختلفة، يكون أول شيء يفكرون فيه هو «كيفية التخلص من الذات».

وتابع: «يحدث حينها ما يُعرف ب (تدهور سن المراهقة)، أي أن الولد أو البنت في مرحلة المراهقة يعتقد أن الأزمة التي يعانيها، حتى ولو كانت تافهة، حدث كبير وضخم للغاية وسيكون لها تأثير سيئ عليه، وبالتالي كل الحلول المتاحة تختفي من أمام ناظريه، فيلجأ لمحاولة الانتحار».

وبسؤاله عن تأثير هذه الضغوط النفسية في المستقبل على الطلاب، أجاب: «لو نجا الطالب من محاولة الانتحار وتم إنقاذه، ولم يتم علاجه نفسياً، سيحدث نفس الأمر معه مرة أخرى حين يتعرض لأزمة جديدة لاحقاً، إذ سيعيد نفس التصرفات لكن ربما بصورة أخف وطأة هذه المرة».

ولفت إلى أن سهولة الحصول على «حبة الغلة» التي انتحر بها العديد من المراهقين، خاصة طلاب الثانوية، تشكّل عامل إنذار كبيراً، فهي تتسبب في الوفاة على الفور، ولا مجال فيها لمراجعة الذات أو إمكانية الإنقاذ، موضحاً أنه يجب على الأهالي أن يدركوا أن المراهقين يحتاجون للتعامل بطريقة خاصة، لا سيما أن فترة المراهقة التي تتزامن مع المرحلة الثانوية، هي فترة النشاط للأمراض الچينية الوراثية، مضيفاً: «يعني لو مراهق اتعرض لضغوط بسبب المذاكرة أو غيره، وهو عنده جين وراثي للاكتئاب أو الفصام أو الوسواس القهري، فده بينشط سريعاً، ويؤثر في الصحة النفسية مستقبلياً».

مسؤولية الأهالي

من جانبها قالت الدكتورة مديحة الصباح أستاذ علم النفس، ومدير إدارة البروتوكولات والمراسم بالمركز القومي لثقافة الطفل في مصر، في حديثها ل«الخليج»، إن المرحلة الثانوية والمجموع الذي يحصل عليه الطالب يمثلان «عنق الزجاجة» بالنسبة لحياته التعليمية، فهي التي تحدد مصيره المهني لحياته،

وأوضحت أنه لوحظ إقدام بعض الطلاب على الانتحار، نتيجة حصولهم على درجات متدنية في الثانوية العامة بالرغم من الجهود التي تبذلها الدولة بدءاً من الاهتمام بالأبنية التعليمية وكوادر المعلمين.

ولفتت مديحة الصباح إلى أن ذلك يرجع إلى الخوف الشديد من مواجهة أولياء أمورهم، والذي قد ينتج عنه ضرب أو تأنيب وتوبيخ أو السخرية من ذويهم، حينها يلجأ هؤلاء الشباب الصغار للمصير المؤلم بالانتحار.

وتابعت: «لذلك يجب العمل بكل السبل للحد من انتحار طلاب الثانوية العامة، أو تفادي النظرة دون المستوى للطالب بينه وبين نفسه وبينه وبين الآخرين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/8fnyk9xa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"