ريادة بكين وقت الأزمات

21:29 مساء
قراءة 3 دقائق

تشانغ جون *

لا يزال انتعاش معدلات النمو في الاقتصاد الصيني أقل من التوقعات التي راهن عليها المحللون، على الرغم من عودة النشاطات في مختلف قطاعات الاقتصاد التي تلت ركود الوباء، وهو أمر مفهوم وطبيعي لا يحتاج إلى كبير عناء.

وقد راهنت مراكز الأبحاث، ومعها المحللون الأكثر دراية واهتماماً بما يجري في الصين، على أن نهاية إغلاقات مرحلة تفشي الوباء لا بد أن تطلق العنان لموجة قوية من الطلب المكبوت. لكن الذي حدث أن الطلب الكلي الذي كان يتباطأ قبل الوباء، عاد إلى مساره السابق. وعلى الرغم من أن الصينيين يسافرون ويتواصلون ويتسوقون ويتناولون الطعام خارج المنزل، إلا أن نمو الإنفاق الاستهلاكي للأسر كان محدوداً، ولم يعوض الاستثمار في الأصول الثابتة العائدات المرجوة.

وظل النشاط الاقتصادي ضعيفاً مع استثناءات قليلة، مثل قطاع مركبات الطاقة الجديدة. ونتيجة لذلك، كان النمو أضعف بكثير مما كان متوقعاً. ومع أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وصل إلى 4.5% في الربع الأول، إلا أنه من المتوقع أن يتباطأ في الربع الثاني. وتحوم معدلات التضخم الأساسي حول الصفر، ولا يزال مؤشر أسعار المنتجين في النطاق السلبي. وعندما تولت الحكومة الجديدة السلطة في وقت سابق من هذا العام، لم تقدم على الفور حزمة سياسات شاملة تهدف إلى تعزيز التعافي بعد الوباء.

ومن المؤكد أنه في النصف الثاني من العام الماضي، اتبعت الحكومة الصينية بعض الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف القيود المفروضة على الأسَر والشركات. لكن التدخلات لم تكن كافية، لا سيما في ما يتعلق بقطاع العقارات، الذي يشكل نحو 40% من الاستثمار الصيني السنوي في الأصول الثابتة. هنا أثرت توقعات السوق بتراجع أسعار المساكن على ميزانيات الأسر، وأعاقت شراء المنازل الجديدة.

في الوقت نفسه، تواجه الحكومات المحلية قيوداً مالية شديدة، كما تدهور وضع الديون التي تحقق الفائدة لمنصات التمويل الحكومية المحلية بشكل حاد، ما قد يُقوض الاستثمار في البنية التحتية. وفي حين أن القيود المالية المفروضة على قطاع الشركات أكثر مرونة إلى حد ما، فإن الافتقار إلى الثقة يؤثر سلباً في الاستثمارات الخاصة. أضف إلى ذلك انخفاض العمالة والأجور بسبب الجائحة، ما يعني أن هناك حاجة إلى سياسات داعمة.

ومما يبعث على التفاؤل أن حزمة السياسات التي تهدف إلى دعم الانتعاش الاقتصادي هي على الأرجح قيد الإطلاق. فقد أشار بيان اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح إلى أن مثل هذه الحزمة ستشمل تدخلات تهدف إلى زيادة الأجور ودعم الأسر ذات الدخل المنخفض لزيادة الإنفاق الاستهلاكي.

ويمكن أيضاً تخفيف قيود التمويل على مطوري العقارات، من أجل تنشيط القطاع. إذ يبدو أن بنك الصين الشعبي مستعد لخفض معدلات الإقراض من أجل تشجيع الاقتراض. ومن المرجح أن تنظر الحكومة المركزية في مقايضات الديون الحكومية المحلية الجزئية، أو تطلب من البنوك الحكومية تقديم قروض طويلة الأجل من أجل تعزيز القدرة الشرائية للحكومات المحلية.

وقد لا يمكن لصناع القرار الصينيين التحايل على كل المعوقات التي يواجهها الاقتصاد، خصوصاً في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، وبالتحديد علاقة بكين المتدهورة مع واشنطن، ما قد يعيق التعافي الاقتصادي على المدى القصير. لكن على المدى البعيد من المحتمل أن تكون فرص الصين ممتازة، باعتبار أنها دولة ذات سجل حافل بالازدهار في أوقات الأزمات وحالات عدم الاستقرار.

إلى ذلك، واجهت الصين تصاعد عدم اليقين في بيئتها الخارجية عبر توسيع وحماية وصولها إلى الموارد الاستراتيجية، مثل الطاقة والمعادن النادرة، سواء من خلال تعزيز شراكاتها مع الدول المعنية، أو التغلب على اعتمادها على الموردين الأجانب. واليوم تهيمن الصين على سوق العناصر الأرضية الاستراتيجية تلك.

كما ينعكس تفكير الصين الاستراتيجي ومرونتها الاقتصادية أيضاً في النمو السريع الأخير في صادرات السيارات الكهربائية الجديدة في أعقاب صدمة الوباء والأزمة الجيوسياسية التي أثارتها حرب أوكرانيا، وترى شركات صناعة السيارات الصينية فرصاً لتعزيز الصادرات إلى مناطق/ مثل أوروبا التي تسعى إلى تسريع تحولاتها الخضراء.

وقد تفوقت الصين على كوريا الجنوبية في إجمالي صادرات السيارات في عام 2021، وعلى ألمانيا العام الماضي. ومن المتوقع أن تصدر الجمهورية أربعة ملايين سيارة هذا العام متجاوزة اليابان لتصبح أكبر مصدر للسيارات في العالم. ولكي توسع انتشار السيارات الكهربائية محلياً، ستعمل الحكومة الصينية على تمديد الإعفاء من ضريبة الشراء مدة أربع سنوات أخرى.

* عميد كلية الاقتصاد بجامعة فودان، ومدير المركز الصيني للدراسات الاقتصادية

* بروجيكت سينديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4fc96636

عن الكاتب

عميد كلية الاقتصاد بجامعة فودان، ومدير المركز الصيني للدراسات الاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب