ربيع إفريقيا.. وأطماع الغرب

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

كم تبدو سياسات القوى الاستعمارية الغربية مكشوفة واستفزازية، وتفتقر إلى المنطق، عندما تتعرض مصالحها للخطر، أو بمعنى أدق عندما تنتفض الشعوب عليها دفاعاً عن أوطانها وثرواتها، فالتهمة الاستعمارية جاهزة دوماً، وهي محاربة الإرهاب، تلك الشماعة التي يستخدمها قادة الغرب للتدخل في شؤون الدول الأخرى وتوفير الغطاء من أجل نهب خيراتها وسلبها حرياتها وقراراتها الوطنية.

فما يجري في إفريقيا التي ابتليت بالاستعمار الغربي على مدى عقود من الزمن، لا سيما في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لا يمكن وصفه إلا تمرداً على السياسة الاستعمارية، التي تهدف فقط إلى استمرار السيطرة على خيرات الدول الإفريقية، التي تعاني الفقر والتمزق والصراعات التي تشعلها وتؤجج نيرانها الاستخبارات الغربية، لتبقى هذه القارة عاجزة منهوبة الخيرات، كما يشتهي المستعمرون.

بالتأكيد فإن فكرة الانقلابات العسكرية، غير مقبولة، خاصة أن المطاف كان ينتهي بها إلى ديكتاتوريات عسكرية، قد تعاني الشعوب منها بمقدار ما تعانيه من الاستعمار وربما أكثر، لكن ما يلاحظ في أحداث القارة السمراء أن الشعوب الإفريقية في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يكاد يجمعها قاسم مشترك واضح وهو وضع حد لسياسة النهب الممنهج لثروات القارة الإفريقية بحجة محاربة الإرهاب.

ولو توقفنا ملياً عند السياسة الفرنسية في إفريقيا بشكل عام والدول التي لفظت أو تحاول لفظ الوجود الفرنسي، لصدمتنا الحقائق التي تخفيها القوى الاستعمارية الغربية، تحت غطاء وشماعة محاربة الإرهاب أو حماية الديمقراطية، وهي شعارات يخرجها المستعمرون سريعاً من أدراجهم عندما تتهدد مصالحهم في أي مكان من العالم.

ففيما تنعم «عاصمة النور» باريس كما يطلق عليها بالأنوار، بفضل اليورانيوم المستخرج من النيجر، يغرق أكثر من ثمانين في المئة من أهل النيجر في الظلام لافتقارهم إلى الكهرباء.

ولا تكتفي «بلاد النور والعطور الباريسية الشهيرة، والأزياء والموضة»، بالاستيلاء على يورانيوم النيجر فقط، وإنما وضعت يدها على ذهب مالي، ونفط السنغال وبعض المعادن النفيسة في الكونغو كالكولتان الذي يستخدم في جميع التكنولوجيات المتطورة، وكلها معادن تستخرج بأيدٍ إفريقية يختلط عليها العرق مع الدماء، حيث آلاف النساء والأطفال والرجال الذين يشتغلون في ظروف غير إنسانية من أجل استخراج كل هذه المعادن لفرنسا، يعيشون الفقر بأبشع صوره في بلدانهم.

لقد فرضت فرنسا في إفريقيا أنظمة تابعة، موالية لها، تقودها نخبة إفريقية تجمعها بها مصالح مشتركة تتعلق في مجملها، باستغلال الثروات الطبيعية لدول القارة.

والأنكى من ذلك أن بعض المعادن النفيسة التي تستغلها فرنسا وبشكل خاص اليورانيوم، يشكل استخراجها حالة كارثية على السكان المقيمين بجوار المناجم ونتائج كارثية أيضاً على البيئة تدوم لآلاف السنين، وهو ما يحدث بالفعل في النيجر، التي تعتبر حسب الكثير من التقارير والدراسات المتعلقة بالتنمية، من أكثر الدول انخفاضاً بالنسبة لمؤشر التنمية البشرية؛ حيث ينتشر فيها الفقر والبطالة والأمية وسط حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. فيما تستغل فرنسا النيجر دون أن تشيد ولو مدرسة على الأقل، أو مستشفى لمعالجة ضحايا استخراج اليورانيوم الذي يضيء شوارع «عاصمة النور» باريس.

أما في مالي؛ فالحال ليس بأفضل أبداً من النيجر؛ حيث يبدو استغلال ذهب البلاد العنوان الأبرز في السياسة الفرنسية هناك، ناهيك عن حكايات استغلال الأطفال وتشغيلهم في مناجم الذهب، في بلد ليس بأفضل حال من النيجر أو السنغال؛ حيث تجري عملية استغلال النفط السنغالي، عبر الشركات الفرنسية العملاقة التي تنشط في دول غرب وجنوب إفريقيا.

في الحقيقة إن الحديث عما يجري الآن، وما يعلن عنه حول التدخل العسكري في النيجر وما جرى قبل ذلك في مالي وبوركينا فاسو حديث يطول، يكشف حقيقة القوى الغربية الاستعمارية، التي تتكتل مع بعضها فوراً عندما تمس مصالحها، فتشهر فزاعة محاربة الإرهاب وحماية الديمقراطية، لنيل مبتغاها وتنفيذ ما تعده من مخططات، لا تمت للديمقراطية والشعارات التي تطرحها بصلة.

أخيراً نستطيع القول إن ما يجري في إفريقيا لو تمخض عن إخراج فرنسا من القارة الإفريقية، أو على الأقل الحد من استغلالها لثروات الدول الإفريقية الغارقة في الفقر والصراعات المفتعلة هو فأل حسن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yuknhfre

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"