مستقبل أوكرانيا ومصير زيلينسكي

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

من كوبنهاغن إلى جدّة، إلى محطة تفاوضية ثالثة قد لا تكون بعيدة في المدى الزمني، تجري المناقشات حول مستقبل الصراع في أوكرانيا، ومدى أهمية التوصل إلى اتفاقية سلام تنهي الحرب التي اندلعت منذ فبراير من سنة 2022.

محطتان تفاوضيتان، لم تحضرهما روسيا، ولكن حضرت الصين عبر مندوبها لشؤون أوراسيا الذي لا شك أنّه عبّر عن الموقف الروسي بكل وضوح خلال المناقشات التي جرت في غرفة مغلقة.

 قمة جدة الأخيرة التي حضرها ممثلون عن أربعين دولة، لا يمكن أن تمرّ دون تسجيل حد أدنى من النقاط الإيجابية التي وقع رفعها إلى قمة ثالثة سيحدد موعدها لاحقاً، وهي قمة تدعمها كل الوفود التي حضرت بما في ذلك الصين، بما يعني أنه توجد رغبة مشتركة في الذهاب إلى مفاوضات قادمة ربما تكون مباشرة في مراحل مقبلة بين موسكو وكييف.

وهناك عدة عوامل باتت ضاغطة تدفع الجميع إلى التفكير في الجلوس إلى طاولة التفاوض، ويمكن تفريعها إلى ثلاثة فروع أساسية في اعتقادنا. الأول هو الوضع الخاص لأوكرانيا. فعملياً تم رفض مطلب أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو بمعارضة أمريكية صريحة، وهذا مؤشر على أن الغرب لا يريد التورط في شكل جديد من الحروب العالمية. وفشل زيلينسكي في إقناع أعضاء الناتو بالانضمام إليهم يعني أنه فقد غطاء رمزياً قوياً، يؤثر بقوة في مكانته بالمشهد الأوكراني الداخلي. 

ويتزامن هذا الرفض مع فشل زيلينسكي في قيادة معركة «الهجوم المضاد» والذي يعني به تحرير الأراضي الأوكرانية كافة بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها في العام 2014. فالقوات الأوكرانية ورغم الدعم السخي بالسلاح الغربي والأعمال الاستخباراتية، لم تستطع أن تحقق نتائج مرضية على الأرض، وهذا الأمر بات يقلق الحلفاء الذين بدأت تظهر في خطابات قادتهم نبرة قلق من استمرار فشل الأوكرانيين في تحقيق نتائج إيجابية، وهنا نذكر بتصريح وزير الدفاع البريطاني المهين لزيلينسكي عندما ردّ عليه بأن بريطانيا ليست «أمازون» بعد إلحاح الرئيس الأوكراني في طلب المعونات العسكرية.

العامل الثاني الذي نراه أكثر تأثيراً في مستقبل هذه الحرب، هو الموقف الغربي، وهنا نرى تصدعات كثيرة في الموقف الداعم للحرب بعد أن طال أمدها، ونظراً لخصوصيات كل دولة وخسائرها الفعلية من استمرار الحرب. فالموقف الأمريكي سيتغير في المستقبل القريب لأنّ ضغط الانتخابات الرئاسية سيلقي بظلاله على موقف البيت الأبيض، فالجمهوريون يبنون موقفهم الانتخابي على رفض هذه الحرب وسعيهم للفوز بالرئاسة في العام 2024، والمرشح الجمهوري الأوفر حظاً هو الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يصرح بأنه سوف يوقف الحرب وسيمنع حرباً عالمية ثالثة وأنه لا بد لأوكرانيا أن تقبل حقيقة الواقع وتتنازل عن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا. بل إنه يقول إنه قادر على وقف الحرب في 24 ساعة، وهذا يربك حسابات الحلفاء الأوروبيين الذين يكاد عقدهم ينفرط بسبب التأثيرات الخطيرة في استقرار دولهم نتيجة استمرار الحرب الأوكرانية، ولا شك في أن الأوروبيين هم الخاسر الأكبر في هذه المعركة مالياً واقتصادياً واستراتيجياً، لأنهم لا يخسرون أوكرانيا فقط بل إنهم خسروا الطاقة الروسية رخيصة الثمن وخسروا مصالحهم الاستراتيجية والحيوية في إفريقيا بعد تصاعد نبرة الخروج من عباءة الوصاية الأوروبية. 

ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن الأوروبيين قادرون على تقديم مزيد من التضحيات من أجل عيون مغامرة زيلينسكي. أما العامل الثالث، فهو تسارع وتيرة ظهور الأقطاب المنافسة، للعالم الأحادي القطبية، فالتكتلات الإقليمية والدولية ضد القطب الواحد (الغرب) تتزايد عدداً وأحجاماً وهي قادرة على إعادة التوازن للقرار الدولي وتضغط من أجل إنهاء الحرب في أقرب وقت. هنا يمكننا القول إن زيلينسكي لن يكون له موقع في المشهد الدولي القادم بعد أن فتحت أبواب المفاوضات، والحلفاء سيضحون بزيلينسكي عندما تحين اللحظة ويتخذ القرار الأصعب. وربما بدأت الحرب بتلك العبارة الشهيرة «سيكون العالم أفضل بدون بوتين» ولكنها قد تنتهي بشعار معاكس «سيكون العالم أفضل بدون زيلينسكي». لا أحد يستطيع التمسك بخيار الحرب إلى ما لا نهاية لأنّ المنابع قد جفت، ولأنّ مصير أوكرانيا سيعود أولاً وآخراً للأوكرانيين أنفسهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yy36rsjp

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"