عادي

قاتل صامت ونذير كوارث.. ما هي «إل نينو» التي تشكلت في أستراليا؟

18:19 مساء
قراءة 6 دقائق
568629

«الخليج» - متابعات

يشهد العالم ظروفاً مناخية قاسية، حيث تواجه الكرة الأرضية حالياً عودة قوية لظاهرة «إل نينو»، والتي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب مستفيدة من التغيرات المناخية الطارئة مؤخراً، وآخرهم استراليا التي أعلنت عن تشكّل الظاهرة المرتبطة عموماً بارتفاع في درجات الحرارة وموجات جفاف شديدة قد تتسبب في اندلاع حرائق غابات مدمرة وصيف شديد السخونة.

وتدعو السلطات في أنحاء العالم مواطنيها إلى اتخاذ تدابير للتعامل مع شدة القيظ، والحذر من الفيضانات، ومن اندلاع الحرائق، وغيرها من التقلبات الجوية الشديدة، كلما أظهرت مؤشرات الأرصاد لديها بدء تشكل الظاهرة التي أصبحت، نذير شؤم يجلب معه الحرائق.

ويأتي إعلان استراليا تشكل الظاهرة تأكيداً لتوقعات وكالات أرصاد جوية أخرى،، حيث أكد الخبير المناخي كارل براغانزا للوكالة الفرنسية للأنباء، إن ظاهرة إل نينو حلّت في المحيط الهادئ، تزامناً مع موجة الحر الربيعية غير الاعتيادية التي تؤثر حالياً في شرق أستراليا.

وأكّد أن هذه الظاهرة المناخية ستسهم في ارتفاع حرارة المحيطات التي تشهد درجات حرارة قياسية منذ إبريل/نيسان الماضي، موضحاً أن «هذا الصيف (الأسترالي) سيكون أكثر حراً من المتوسط، وبالتأكيد أكثر حراً مما كان عليه في السنوات الثلاث الماضية».

كما أكد خبراء في وقت التغير المناخي والكوارث الطبيعية، أن أستراليا التي تعد بصدد التعافي من جراح الحرائق التي التهمت غطاءها النباتي بما فيه من نباتات وحيوانات وحتى البشر، ستعود لتشهد من جديد تصاعد أعمدة الدخان المنبعثة من ألسنة لهب حرائق الغابات التي ستنتج عن شدة ارتفاع درجات الحرارة بسبب «إل نينو» وكثرة الجفاف.

ماهي إل «نينو»

إن ظاهرة «ال نينو» لا تُعد جديدة أبداً، لكن ما استجد هو بطش التغير المناخي الذي أثر فيها وتأثر بها، وعُرفت على أنها تيارات مائية تأتي مُحملة بالمياه الحارة من غرب المحيط الهادئ (أستراليا) إلى شرقه (أمريكا الجنوبية) وتمتد ذروتها ثم تتضاءل.

وأطلق صيادون من أمريكا اللاتينية اسم «إل نينو» (ويعني الطفل المقدس باللغة الإسبانية) على الظاهرة المناخية، لأنها ظهرت بعيد عيد الميلاد شرق المحيط الهادئ.

وكان الصيادون أول المتضررين من الظاهرة المناخية هذه التي تجلب الحر إلى المحيط، لأن الأسماك لا تستطيع مقاومتها، لكن من حسن الحظ أن هذه الحرارة تعوضها «إل نينيا» الصفة الأنثوية للظاهرة، بتياراتها الباردة التي تطرد التيارات الحارة وتسمح بصعود المياه من عمق مئة ومئتي متر، وهي مياه غنية بالمواد الغذائية (الآزوت والفوسفور).

ويتراوح عمر ظاهرة «إل نينو» منذ ظهورها وإلى انقشاعها من أربع إلى سبع سنوات،عادة ما تبدأ هذه الدورة عندما تنتقل المياه الدافئة في المحيط الهادئ من الجهة الغربية للجزء الشرقي الاستوائي

باتجاه سواحل أمريكا الجنوبية على طول خط الاستواء، وبعد ذلك تطفو هذه المياه الدافئة على مياه شمال غرب أمريكا الجنوبية وتعتبر هذه الظاهرة مناخية شاذة. بحسب خبراء مناخ.

نذير كوارث

ويوضح الخبراء أن «إل نينو» تتسبب في حدوث سيول وفيضانات في أمريكا الجنوبية، وأحياناً تنتقل الظاهرة إلى دول أوروبا وتسيطر على هذه المنطقة بشكل كبير من خلال العواصف والأعاصير والأمطار والسيول، وفي بعض الأوقات الأخرى قد يحدث جفاف.

وتؤدي ظاهرة إل نينو إلى تقلبات مناخية كبيرة تؤثر في زراعة الأرز والزراعة الأخرى، ما يجعلها تحدياً كبيراً للمزارعين والمجتمعات التي تعتمد على هذه الزراعة للعيش.

تأثيرات أبعد من المناخ

وبحسب كالة الصحافة الفرنسية فإن تبعات الظاهرة لا تقتصر على تغير في أنماط المناخ وتقلب الأجواء فحسب، فقد ثبت أن الأمراض المنقولة بالنواقل، مثل الملاريا وحمى الضنك، يتوسع نطاق تفشيها مع ارتفاع درجات الحرارة.

وقالت المسؤولة عن التأثيرات المناخية في منظمة «ويلكام ترست» الخيرية مادلين تومسون إن «ظواهر إل نينو السابقة أظهرت أننا أمام ازدياد ونشوء مجموعة واسعة من الأمراض المنقولة بالنواقل والأمراض المعدية الأخرى في المناطق المدارية، في المنطقة التي نعرف أنها الأكثر تضرراً» من هذه الظاهرة.

وأوضحت أن الزيادة تنبع من تأثيرين لظاهرة «إل نينو»هما هطول الأمطار غير المعتاد الذي يزيد عدد مواقع تكاثر النواقل مثل البعوض، وارتفاع درجات الحرارة الذي يعجّل في انتقال الأمراض المعدية المختلفة، مضيفة أن في عام 1988 تزامنت ظاهرة «إل نينو» مع انتشار وباء الملاريا في مرتفعات كينيا.

وبحسب غريغوري ويلينيوس، وهو مدير مركز عن المناخ والصحة تابع لجامعة بوسطن، فإن موجات الحرارة،قاتل صامت وتسبب في الواقع وفاة عدد أكبر من الأشخاص أكثر من أي نوع آخر من أحداث الطقس القاسية».

وتتعدد الأسباب المباشرة أو غير المباشرة للوفيات المرتبطة بالحرارة، وتتراوح من ارتفاع حرارة الجسم إلى الجفاف أو الإرهاق التدريجي بسبب الليالي التي تمنع فيها درجات الحرارة المرتفعة الجسم من التعافي عبر النوم.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 61 ألف شخص قضوا بسبب الحر في أوروبا الصيف الماضي، عندما لم تكن هناك ظاهرة «إل نينو».

وقد كان يوليو 2023 أكثر الشهور سخونة على الكوكب، في حين أن التأثير الكامل لظاهرة «إل نينو» على درجات الحرارة العالمية عادة ما يكون واضحاً فقط في غضون عام من بدء الظاهرة.

تأثيرها على الزراعة

وبالحديث عن التأثير المتوقع فإن الزراعة وإنتاجية المحاصيل لها نصيب الأسد من التغيرات، حيث توضح مونيكا توثوفا، الخبيرة الاقتصادية بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في حديث لها عبر موقع المنظمة الإلكتروني أنه من غير المرجح أن يكون الشرق الأوسط هو أكثر المناطق تضرراً من جرَّاء التأثيرات المباشرة لظاهرة إل نينو، لكنها تؤكد تنوع التأثيرات عبر المنطقة.

ففي الجزء الشرقي للمنطقة، والذي يشمل بلاد الشام والعراق وإيران وتركيا، عادةً ما تجلب تلك الظاهرة فرصةً أكبر لهطول الأمطار، وفق مونيكا.

وتستطرد: «تلك الزيادة في معدل هطول الأمطار قد تحسِّن من غلات المحاصيل وإنتاجيتها، لكنها تحمل أيضاً مخاطر حدوث فيضانات، قد تخلِّف العديد من الآثار السلبية، لا سيما في المناطق التي لا توجد فيها بنية تحتية موائمة، ما يجعلها عرضةً للكوارث».

وتضيف مونيكا: «تجدر الإشارة إلى أنه على عكس الجفاف، الذي يميل إلى التأثير في مناطق شاسعة من البلاد ويؤدي إلى خسائر كبيرة في الإنتاج، فإن الخسائر الناجمة عن الفيضانات عادةً ما تكون تأثيراتها محدودة مكانيّاً بينما تستفيد بقية البلاد من زيادة معدلات هطول الأمطار».

تأثيرات اقتصادية

ومن الناحية الاقتصادية فقد أظهر بحث جديد أن الخسائر المالية الناجمة عن ظاهرة «إل نينو» المناخية العالمية، باقية لعدة سنوات وتكلف التريليونات في صورة دخل مفقود، بجميع أنحاء العالم.

ودرس الباحثون في كلية «دارتموث» في الولايات المتحدة النشاط الاقتصادي العالمي، في العقود، التي تلت أحداث ظاهرة «إل نينو» في عامي 1982 و1983 وعامي 1997 و1998، ووجدوا «تأثيراً متواصلاً» تمثل في النمو الاقتصادي المتباطئ، بعد ذلك بأكثر من خمس سنوات.

ووجدت الدراسة، التي تم نشرها في مجلة «العلوم» أن الاقتصاد العالمي تراجع بواقع 1.4 تريليون دولار و7.5 تريليون دولار في نصف عقد من الزمن، بعد كل من الحدثين، وتتحمل معظم وطأته أفقر دول العالم في المناطق الاستوائية.

وتوقع الباحثان، جوستين مانكين وكريستوفر كالاهان أن الخسائر الاقتصادية العالمية للقرن ال21، ستصل إلى 84 تريليون دولار، حيث أنه من المحتمل أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة في تكرار حدوث ظاهرة «إل نينو» وقوتها.

وذكر الباحثان أن ظاهرة «إل نينو» المتوقعة لعام 2023، ربما تؤدي إلى تراجع الاقتصاد، بواقع ثلاثة تريليونات دولار، بحلول عام 2029.

2023 الأكثر سخونة على الإطلاق

ودفعت التغيرات المناخية المتتالية التي كانت الظاهرة سبباً من أسبابها، المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى القول لأول مرة على الإطلاق، إن درجات الحرارة العالمية من المرجح أن تتحرك أكثر من 1.5 درجة مئوية في السنوات الخمس المقبلة.

فقد تخطت عدد من الدول المستويات التاريخية لدرجات الحرارة هذا العام منها فيتنام، وبولندا، وإسبانيا، والصين، ولاتفيا، وميانمار، والبرتغال، وبيلاروسيا، وهولندا، وتايلاند.

ويقول علماء المناخ إن عام 2023 قد يصبح العام الأكثر سخونة على الإطلاق، ويعد ارتفاع انبعاثات الكربون وتغير المناخ من العوامل الرئيسية وراء هذا التنبؤ والعودة المتوقعة لظاهرة إل نينو الجوية تلعب دوراً رئيسياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tt5ehyz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"