أمريكا وأزماتها المعقدة

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة يجري عزل رئيس مجلس النواب، بعد التصويت على حجب الثقة منه لتدخل البلاد في أزمة سياسية خطيرة، خاصة مع وجود محاولات داخل الجمهوريين لعزل الرئيس جو بايدن، وفي نفس الوقت الذي يحاكم فيه الرئيس السابق دونالد ترامب، وتزامن كل ذلك مع اضطرار البيت الأبيض لإقرار ميزانية مؤقتة تفادياً للإغلاق الحكومي.

أحداث من قبيل الخيال، تلك التي تشهدها الولايات المتحدة. فتزامن أحداث سياسية ومالية تهز البيت الأبيض ومؤسسات الدولة، أمر لم تعهده القوة العظمى في تاريخها، ولكن يبدو أن تداعيات الحرب الأوكرانية بدأت تؤثر في المشهد السياسي الأمريكي، بعد أن بات المواطن الأمريكي يعاني فعلاً آثار التضخم الكبير في كل المواد المعروضة في الأسواق.

في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء صوّت مجلس النواب الأمريكي على عزل رئيسه كيفن مكارثي. وجاء التصويت بواقع 216 مقابل 210 لصالح إقالة مكارثي. وأُعلن منصب رئيس مجلس النواب شاغراً. وتضاءلت فرص بقاء ماكارثي في منصبه الثلاثاء الماضي، بعدما أعلن الديمقراطيون أنهم لن ينقذوه في تصويت أطلقه متشددون ضمن حزبه الجمهوري لإطاحته. شجع زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز الديمقراطيين على الإطاحة بمكارثي، منتقداً في الوقت ذاته النواب اليمينيين الذين يصفهم بأنهم «متطرفو ماغاMAGA» في إشارة إلى حركة ترامب «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً» «Make America Great Again». وقال جيفريز في رسالة لزملائه «نظراً إلى عدم رغبتهم في التخلي عن تطرف MAGA بشكل حقيقي وشامل، فستصوت قيادة مجلس النواب الديمقراطية ب«نعم» على الإجراء الجمهوري القائم لإخلاء منصب رئيس المجلس». ولئن كانت عملية عزل مكارثي سابقة، فإنها تكشف حجم الخلافات بين الجمهوريين الذين يسيطرون فعلياً على مجلس النواب بأغلبية بسيطة، إلاّ أنه واضح مدى «غدر» الديمقراطيين برئيس مجلس النواب الجمهوري الذي مكّنهم من تمرير ميزانية مؤقتة تمنع من الإغلاق الحكومي، وهي العملية التي أنقذت بايدن، الذي يواجه هو الآخر محاولات لعزله، بسبب تحقيقات فتحها ضده نواب جمهوريون منذ مدة على خلفية قضايا فساد.

وهذه السابقة التاريخية، تثبت حدة الأزمة السياسية التي تعيشها الولايات المتحدة في السنوات الماضية وتحديداً منذ قدوم الرئيس بايدن وعندما تم افتحام مقر الكونغرس من قبل متطرفين مؤيدين لترامب. لكن هذه الأزمة السياسية التي تجعل كرسي مجلس النواب شاغراً، وتجعل مجلس النواب معطلاً عن القيام بوظائفه التشريعية إلى حين انتخاب رئيس جديد للمجلس، تتزامن مع تهديدات «جمهورية» بجعل مكتب البيت الأبيض شاغراً هو الآخر. فهناك محاولات جمهورية متواصلة لعزل الرئيس بايدن. تكشف سرّ انتقام الديمقراطيين من مكارثي، فقبل أيام، أعلن رئيس مجلس النواب المعزول أنّه فتح تحقيقاً ضدّ الرئيس الديمقراطي، معتبراً أنّ الاتهامات الموجهة جدّية، حيث قال إن هناك «اتهامات خطيرة وذات مصداقية، تطول سلوك الرئيس». السؤال الذي يطرح هنا، عن ردود فعل أغلبية الجمهوريين على عزل مكارثي وهل سيسعون إلى عزل بايدن، انتقاماً لحزبهم أم أنّ موازين القوى داخل مجلس النواب لن تسمح لهم بتنفيذ مساعي العزل خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الجمهوريون عزل بايدن. مكارثي المعزول قال، في تصريحات منذ أيام، إن التحقيق سيتركز على «الاتهامات بإساءة استخدام السلطة المخولة للرئيس، وإعاقة العدالة، والفساد».

داخل مجلس النواب وخارجه، حرب طاحنة بين الطبقة السياسية الأمريكية، والسبب مستقبل الانتخابات الأمريكية المقررة في العام المقبل. فواضح أن سلسلة المحاكمات التي يتعرض لها الرئيس السابق دونالد ترامب، تدخل في إطار حرب استباقية لتحييده عن الترشح إلى الرئاسيات المقبلة، لأنّه يعتبر مرشحاً جدياً يمكن أن يزيح أي مرشح للديمقراطيين من المكتب البيضاوي خاصة إذا أصرّ بايدن على الترشح لعهدة جديدة. ولن تهدأ هذه المعارك قريباً بل ستزداد حدة كلما اتضحت الرؤية بالنسبة للمرشحين المحتملين. فالجمهوريون منقسمون بشأن دعم ترامب والديمقراطيون منقسمون أيضاً بسبب إصرار بايدن على الترشح مرة أخرى، وفي كل هذا، هناك حروب ساخنة ستدار في المؤسسات الرسمية وحتى في الوكالات الحكومية التي تواجه شبح الإغلاق الرابع في السنوات العشر الأخيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s7nebcy

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"