عادي

سارتر وسيمون دوبوفوار..وجهاً لوجه

23:34 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

دفنا في قبر مشترك، وارتبط معاً إلى الأبد، لا يمكننا أن نفكر بأحدهما من دون التفكير في الآخر: سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر، في نهاية الحرب العالمية الثانية تبوأ الاثنان مكانة عالية؛ كونهما يعدان مفكرين حرين ملتزمين، كتبا في جميع الأنواع الأدبية، وقد شكلت رواية سارتر الأولى «الغثيان» حدثاً في عالم الرواية الفرنسية، لكنه سيذكر على نحو أفضل من خلال سيرته الذاتية «كلمات» هذا الكتاب الذي أكسبه جائزة نوبل.

1

سترتبط بوفوار دائماً بكتابها المهم «الجنس الآخر» وبمذكراتها، كانت كتاباتها تعكس بطريقة ما حياتها الخاصة، ولم تكن رفيقة سارتر فقط؛ بل كاتبة سيرته، وفي كتابتها عن نفسها كتبت عنه أيضاً، وبوصفهما وجوديين آمنا بأن شخصيتيهما ليستا أكثر أو أقل من مجموع أفعالهما، ووضعا نفسيهما طواعية في مواجهة حكم الأجيال القادمة، كما تقول هازل رولي في مقدمة كتابها «سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر وجهاً لوجه.. الحياة والحب» (ترجمة محمد حنانا).

من شعارات طلبة عام 1968 كان شعارهما المفضل «عش من دون وقت مستقطع» كلاهما كان متمرداً، وعندما كانا طالبين لم يستطيعا الإنجاز بتألق أكبر في ظل نظم التعليم الفرنسية، فأدارا ظهريهما للصرامة الأكاديمية والأناقة البرجوازية.

يقول سارتر: إن «الإنسان محكوم بأن يكون حراً» فلسفته عن الحرية لم تكن من الناحية النظرية برجاً عاجياً؛ بل كانت ملتصقة بالحياة لا أحد يمكنه أن يعلمهما كيف يعيشان حياتهما، كانا مدركين أنهما يبتكران علاقتهما من خلال تعاونهما.

كانا مشغولين في البداية بالحرية الفردية، وفيما بعد انتقدا بشدة هذه الفترة المبكرة الطويلة التي نظرا إليها كفترة الشباب غير المسؤولة، وقد جعلتهما الحرب العالمية الثانية مدركين للتاريخ، وفي عام 1945 أسسا مجلة «الأزمنة الحديثة» التي كان لها الأثر الكبير في فرنسا وأوروبا والعالم الثالث.

في الخمسينات والستينات وقف الاثنان بشجاعة ضد الحرب الجزائرية والفيتنامية، وقد جعلته كتاباته حول الاستعمار والعنصرية نصير النضال ضد الاستعمار، وينظر إلى كتاب بوفوار «الجنس الآخر» كنص مؤسس لحركة النساء الحديثة، كانا مهووسين بما يدعوه سارتر «وهم السيرة» وهي الفكرة القائلة إن الحياة المعيشة يمكن أن تماثل الحياة المسرودة، كانا يتصوران حياتهما المستقبلية كأنها في عيون الأجيال القادمة.

ومع نزعتهما لصنع الأسطورة كان هناك إيمان شديد بقول الحقيقة، قال سارتر: «لم يحدث أن تخلصت من الرسائل والوثائق التي تتعلق بحياتي الخاصة، إنني أفضل أن أكون شفافاً، أعتقد أنه ينبغي أن تكون الشفافية بديلاً من السرية» توفي سارتر عام 1980 وبوفوار عام 1986 ولم يتلفا رسائلهما ويومياتهما، وكان من الواضح أنهما خططا لتنشر بعد موتهما. تقول المؤلفة كانت صدمة القرّاء قوية؛ إذ تبين في النهاية أن هذين المدافعين عن قول الصدق كانا يكذبان دائماً على العديد من الفتيات غير المستقرات عاطفياً، كان سارتر يدعوها «أكاذيب بيضاء» أو «أنصاف حقائق» أو «أكاذيب كاملة» وفي السنوات الأخيرة باح سارتر وبوفوار بأسرارهما المتشابكة من وراء قبريهما.

وداع سارتر

كانت بوفوار تتعرض طوال حياتها لضغط يسببه لها قلق ويأس خانقان، وأزمات مفزعة، كانت تفضل ألا تطيل التفكير بالهموم التي كمنت بوضوح تحت سطح كتابتها، خوفها من الوحدة الاستسلام، فقدان الحب، لكنها اعترفت أنها كانت مسكونة بما وجدته أسوأ كابوس: موت سارتر. الكتاب الوحيد الذي ستكتبه بعد موت سارتر، الكتاب الذي لن يقرأه هو «وداع سارتر» الذي رسمت فيه صورة مؤثرة عن ذبول سارتر الجسدي، كان في ذلك الوقت مرهقاً لا يستطيع الكلام إلا بصعوبة، كان عمره 70 عاماً وجسده متقرحاً وكليتاه لا تعملان، لكن عقله لا يزال سليماً وفي أصيل أحد الأيام سأل بوفوار بقلق قائلاً: كيف سنتدبر نفقات الجنازة؟

تصدر موت سارتر الصفحات الأولى من صحف العالم، واحتشد الناس في الشوارع، معظمهم من الشباب، وقال كلود لانزمان «هذه آخر تظاهرات عام 1968» وكانت سيمون دو بوفوار وصلت إلى حالة تنبأ معها الأطباء بأنها لن تستعيد صحتها كاملة بعد ذلك كتبت «وداع سارتر» الذي أثار ضجة كبيرة ضدها، أحدهم كتب: «كان سارتر ميتا بنظرك حينئذ ويبدو أنك انتهزت القصة بقسوة وتصميم ووطئت على وجوه الناس الذين أحبهم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bp6zxce9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"