هل تراجع فرنسا سياساتها الإفريقية؟

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

منذ تولّي إيمانويل ماكرون منصب الرئاسة في فرنسا عام 2017، والعلاقات الفرنسية - الإفريقية تشهد تدهوراً غير مسبوق، على مختلف الواجهات، بعدما استمرت باريس على نهجها، في ما يتعلق بتكريس علاقات مختلة تقوم على الاستغلال وتكريس الاستبداد، وترويج الصورة النمطية عن القارة؛ المقرونة بالتخلف والاستبداد، وعدم الجدية في تعزيز الاستقرار والتنمية في عدد من البلدان، بخاصة داخل منطقة الساحل الإفريقي التي ظل فيها الحضور العسكري الفرنسي مكثفاً على امتداد سنوات عدة من دون جدوى. ما أسهم، بشكل ملحوظ، في تزايد الأصوات الداعية إلى إرساء علاقات متوازنة، ترتكز ‘لى التعاون الندّي، وعلى تبادل المصالح، وتقوم أيضاً على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

لقد أبدت الكثير من النخب السياسية والثقافية والاقتصادية في إفريقيا؛ استياءها الكبير من هذه السياسات الفرنسية تجاه دول القارة، والتي لا تخلو في مجملها من استعلاء، ومن تحركات بخلفيات استعمارية، وقد وصل الأمر إلى حدّ توجه عدد من الدول إلى قطع علاقاتها مع باريس، فيما قامت أخرى بطرد قواتها العسكرية من فوق ترابها.

إن استمرار فرنسا على نهجها بتكريس منطقها الأحادي في بناء علاقات غير سليمة مع البلدان الإفريقية، ضمن تنكر تامّ لما شهدته الكثير من الدول الإفريقية من تطورات ومنجزات في مختلف المجالات، الاقتصادية والسياسية والفكرية، أفرز مقاومة إفريقية كبيرة تروم تصحيح الوضع، بل وفسح المجال أيضاً لبروز نخب فرنسية اعتبرت استمرار فرنسا على نهجها، سيكلفها الكثير الخسائر الاستراتيجية، ويؤثر في مكانتها الدولية، وطالبت ماكرون بوقف مجازفاته غير المحسوبة في هذا الصدد.

إن المتتبع للشأن الإفريقي خلال السنوات الأخيرة، يجد أن الكثير من النظم، سواء تلك التي وصلت إلى الحكم بشكل ديمقراطي أو عبر انقلابات عسكرية، أبدت رغبة عارمة لإعادة النظر في علاقاتها مع فرنسا، فبعد طرد السفير الفرنسي من بوركينا فاسو، ومالي التي أرغمت القوات الفرنسية على مغادرة البلاد، مع الحرص على إلغاء الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع باريس، ومن النيجر أيضاً، فيما يطبع الفتور حالياً علاقات فرنسا مع عدد من دول شمال إفريقيا، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب والجزائر.

وتتزامن الدعوات الرامية إلى إنهاء الهيمنة الفرنسية داخل عدد من المناطق الإفريقية، مع تزايد حدة التنافس الدولي داخل القارة، بخاصة من قبل عدد من الأقطاب الدولية، كروسيا والصين، التي ليس لها ماض استعماري في إفريقيا. حيث نجحت في بلورة شراكات واعدة مع عدد من الدول، واستطاعت أن تقدم عروضاً مغرية وتتيح فرصاً واعدة بالنسبة إلى الأفارقة.

ورغم تعهد ماكرون بالبحث في «استراتيجية فرنسا في إفريقيا وفي منطقة الساحل»، تقوم على بناء «علاقات متوازنة، ومسؤولة»، مع التحلي ب«التواضع والمسؤولية» في هذا الصدد، والعمل على خفض التواجد العسكري داخل القارة، إلا أن واقع الحال يؤكد أن هناك الكثير من التحديات التي تحدّ من أهمية هذه المبادرات، مردّها عدم الثقة بهذه الوعود التي كثيراً ما تحطمت تحت واقع السياسات الفرنسية المتعاقبة على المنطقة.

ومع تصاعد حدة الرفض الإفريقي للتواجد الفرنسي في القارة، تطرح الكثير من الأسئلة بصدد مستقبل هذه العلاقات، والتي يظهر أنها بحاجة إلى معالجة جذرية من الجانب الفرنسي، بصورة تحسم الترسبات التاريخية التي تخيم بانعكاساتها على الحاضر والمستقبل.

وتتزايد حدة الاستياء الإفريقي من السياسات الفرنسية في إفريقيا، ما يوحي بمزيد من الانتكاسات الفرنسية، ويبدو أن العلاقات بين الجانبين تمر بمنعرج مفصلي، يتطلب من فرنسا إما اختيار الاستمرار بحصد الخسائر والخيبات الاستراتيجية داخل فضاء يزخر بالفرص والإمكانات، بإصرارها على نهج سياساتها المألوفة في ما يتعلق بدعم الانقلابات، والمبالغة في استحضار مصالحها باستغلال الثروات؛ وتكريس عدم الاستقرار في عدد من البلدان من جهة أولى، وإما السعي إلى بناء علاقات متوازنة تقوم في أساسها على الثقة وتبادل المصالح، وتعزيز التنمية والاستقرار، واحترام خصوصيات وسيادة الدول الإفريقية، من جهة ثانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr6pdenv

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"