نظرية الانهيار الاقتصادي الصيني (1 - 2)

21:56 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

بدأ صعود الصين مع عملية إصلاح اقتصادي استمرت عقوداً في أواخر السبعينات تحت قيادة ‏دنغ ‏‏‏شياو بينغ. حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للصين أكثر من أربعة أضعاف بين ‏‏عامي 1978 ‏و1999. ‏وتسارع صعودها الاقتصادي مع انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية ‏في ديسمبر 2001. ‏ومن أهم مؤشرات ذلك ارتفاع قيمة واردات السلع الأمريكية من الصين من ‏حوالي 100 مليار ‏‏‏دولار في عام 2001 إلى 500 مليار دولار في عام 2021. وتعزى هذه القفزة ‏في الواردات جزئياً ‏‏‏إلى موقع الصين الحاسم في سلاسل التوريد العالمية؛ تقوم المصانع الصينية ‏بتجميع المنتجات ‏‏‏للتصدير إلى الولايات المتحدة باستخدام مكونات من جميع أنحاء العالم.‏ ورغم ‏التوترات السياسية ‏والحظر التجاري والتكنولوجي الأمريكي على الصين، فإن البلدين يعتبران من ‏أكبر الشركاء ‏التجاريين. وفي عام 2020، بلغ إجمالي تجارة السلع والخدمات الأمريكية مع ‏الصين، ما يقدر ب615.2 ‏‏‏مليار دولار، وبلغت الصادرات 164.9 مليار دولار، بينما بلغت ‏الواردات 450.4 مليار دولار، ‏‏‏وفق بيانات التجارة الأمريكية. كما تشير بيانات ‏مصلحة الجمارك ‏الصينية، إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين ‏البلدين في عام 2021 بنسبة ‏‏28.7 %، ليصل ‏إلى 755.64 مليار دولار. وقد حافظت ‏الولايات المتحدة على مكانتها كثالث ‏أكبر شريك تجاري ‏للصين، بعد الآسيان والاتحاد ‏الأوروبي.‏

يشير العديد من المحللين الأمريكيين إلى الصين باعتبارها المنازع الأكثر احتمالاً كي تتساوى مع القوة ‏الأمريكية ‏وتتجاوزها، وتحكم العالم. وتعتمد بعض التحليلات على بعض استعراضات القوة ‏الصينية على ‏النمو السريع لمعدل مجموع ناتجها القومي، فالصين تمتلك مصادر قوة مهمة أخرى، ‏فمساحتها تعادل ‏مساحة الولايات المتحدة الأمريكية، وسكانها أكثر بأربع مرات، ولديها أكبر جيش ‏في العالم، وأكثر من ‏‏250 سلاحاً نووياً وقدرات حديثة في الفضاء والاقتصاد الإلكتروني (بما ‏فيها أكبر عدد في العالم من ‏مستخدمي الإنترنت)‏.‏ كما أن الصين تتمتع بميزتين كبيرتين ‏باعتبارها قوة تصنيعية.‏ الأولى تمتع قاعدتها الصناعية بعمق لا مثيل له، فهي ‏تنتج كل شي بداية من الأحذية ‏وحتى التكنولوجيا الحيوية المتطورة. الثانية، أنها أصبحت تتمتع بقدرة ‏تنافسية أكبر بفضل المزيج المكون من ‏مجموعات التصنيع والبنية التحتية الممتازة والمصانع ‏المطورة.‏ علاوة على أن الصين سوق هائلة الحجم، ولذا تمارس الإدارة الأمريكية ‏مزيداً من ‏الضغوط على الصين لإفساح المجال أمام شركاتها للعمل في الصين.

في حين ترى دراسات أمريكية أنه من الخطورة بذات ‏القدر أن يبالغ الأمريكيون في تقدير القوة ‏الصينية أو يستخفوا بها، وأن الولايات المتحدة تحتوي على ‏مجموعات لديها حوافز اقتصادية ‏وسياسية كفيلة بدفعها إلى أي من الحالين. يعادل اقتصاد الصين بالدولار ‏نحو ثلثي حجم اقتصاد ‏الولايات المتحدة، لكن العديد من خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تتخطى الصين ‏الولايات المتحدة في ‏وقت ما من ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، وفي خضم تلك النقاشات تظهر دائماً نظرية ‏الانهيار الاقتصادي الصيني‏ وظهرت للمرة الأولى بعد عام 1989، بعد أن طرأت تغيرات كبيرة ‏بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ‏السابق، وكان العالم الغربي يرى أن الصين بلا شك ستكون الدولة ‏التالية التي تتعرض للانهيار. ‏ولكن بعد مرور أكثر من عشرين عاماً، وجدت الصين طريقاً مناسباً ‏لها وحققت صعوداً مدهشاً، ‏حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 نمواً يعادل 155 ‏ضعفاً لنظيره في عام 1978‏، وأصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مما حطم نظرية ‏‏«انهيار الاقتصاد الصيني». كما بدت نظرية «انهيار الصين» في الظهور مرة ثانية بعد الأزمة ‏المالية الآسيوية عام 1997، فمثلاً أشار كتاب بعنوان «انهيار الصين المقبل» كان قد نشر في ‏عام ‏‏2001 بلهجة قاطعة إلى أن النظام الاقتصادي الحالي في الصين سيستمر لمدة خمس سنوات ‏على ‏الأكثر، مضيفاً أن الاقتصاد الصيني بدأ يعاني من حالة ركود وانكماش وسيتعرض للانهيار ‏قبل ‏أولمبياد بكين في عام 2008. كما ظهرت نظرية «انهيار الصين» في المرة الثالثة بعد الأزمة ‏المالية العالمية في عام 2008، وتمثل ‏جوهرها في نظرية «الانهيار الاجتماعي الصيني». ولكن ‏الصين تغلبت على الضغوط الدولية ‏والانكماش الاقتصادي والمخاوف الاجتماعية، وحققت هدفها ‏بالحفاظ على استقرار النمو، وأدت دوراً ‏مهماً في الاستقرار المالي العالمي.‏

إن انتشار تلك النظرية ‏في تلك المراحل جعل بعض الصينيين والأجانب متشائمين بشأن مستقبل الصين، وترجع تحليلات صينية ‏ترويج بعض القوى الغربية لتلك النظرية، إلى أن رغبتها في نفي آفاق الصين المشرقة وتقويض ثقة ‏العالم بالصين عبر ‏استغلال حالة الاقتصاد الصيني في بعض الفترات الاقتصادية الصعبة، ‏لتحقيق هدفها الحقيقي الرامي إلى نشر القلق داخل ‏الصين.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yt8n7t3e

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"