الريادة الإماراتية في بناء نظام تجاري

23:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

نجاح لافت لدولة الإمارات من حيث التنظيم ومخرجات المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية الذي عقد في أبوظبي، ذلك الاجتماع الذي عقد بالتزامن مع الذكرى ال 30 لتأسيس المنظمة التي تعد أكبر تجمع عالمي، حيث تضم 164 دولة، ومهمتها تنظيم التجارة العالمية باعتبارها تمثل 98% من حركة التجارة العالمية ومن إجمالي الناتج المحلي العالمي. من ناحية التنظيم كان النجاح التنظيمي المميز هو امتداد لريادة الإمارات التنظيمية في تنظيمها لكافة المناسبات والاجتماعات الكبرى التي قامت بتنظيمها؛ مثل استضافتها لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ «COP 28»، في دبي، وهو الاجتماع الثامن والعشرون لزعماء العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، وقبله نجاح غير مسبوق لإكسبو 2020 دبي.

نجاح المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية عبر عنه اعتماد إعلان أبوظبي الوزاري، وهو وثيقة تاريخية. ويعكس الإعلان إجماع مجتمع التجارة العالمي على سلسلة من السياسات التجارية والتنموية الرئيسية، حيث اتفق أعضاء منظمة التجارة العالمية على تنفيذ المعاملة الخاصة والتفضيلية بشأن تدابير الصحة والصحة النباتية، والحواجز التقنية أمام التجارة، والتي تدعم المنتجين في الدول الأقل نمواً للوصول بشكل أفضل إلى سلاسل التوريد العالمية. وهو يعد تأكيداً على جهود الإمارات الرائدة في ترسيخ جسور التواصل بين أعضاء المنظمة، ومواصلة الزخم نحو تحقيق مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة للتجارة العالمية.

ذلك النجاح الإماراتي تتأكد أهميته في ضوء حقيقة أنه في معظم فترات آخر 75 سنة، اعترف صانعو السياسة من جميع أنحاء العالم بقوة الترابط الاقتصادي. حطّمت البلدان الحواجز التجارية وفتحت اقتصاداتها على بعضها. كان سجلها مبهراً. تزامن التكامل الاقتصادي المتزايد مع توسّع الازدهار العالمي، وانحسار الفقر بدرجة غير مسبوقة، وبدء فترة طويلة وغير مألوفة من السلام بين القوى العظمى. منذ العام 1990، تراجعت نسبة من يعيشون في فقر مدقع حول العالم بثلاثة أرباع. كان هذا التحوّل الجذري في ظروف البشر ينجم في الأساس عن توسّع التجارة الدولية بعشرين مرة، فزادت المداخيل الفردية بمعدل 27 نقطة في آخر ستة عقود.

لكن تتعرض هذه الرؤية الاقتصادية للهجوم في السنوات الأخيرة، وأصبحت إنجازاتها بخطر. أنتجت سلسلة من الصدمات على مرّ 15 سنة (الأزمة المالية العالمية أولاً، ثم جائحة «كوفيد-19»، وأخيراً الحرب في أوكرانيا) خطاباً بديلاً حول العولمة. وفق هذا المنطق الجديد، ونتيجةً لذلك، لم يعد الترابط الاقتصادي ميزة بحد ذاته، بل جزءاً من الشوائب. تعتبر هذه العقلية الجديدة أن البلدان لا تحتاج إلى الترابط، بل الاستقلالية، ما يعني أن ينحصر التكامل في أفضل الأحوال ضمن دائرة صغيرة من البلدان الصديقة. من هنا تأتي أهمية الريادة الإماراتية في بناء نظام تجاري يعود بالفائدة على الجميع. والدور الكبير الذي تلعبه دولة الإمارات في دعم حرية تدفق التجارة والاستثمار من أجل دفع عجلة نمو الاقتصاد العالمي، فضلاً عن التزامها بتعزيز التعاون الدولي وبناء الشراكات الدولية التي تعزز من فرص التنمية والازدهار.

إن إعلان أبوظبي الوزاري الصادر في ختام المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية يعد تأكيداً على جهود الإمارات الرائدة في ترسيخ جسور التواصل بين أعضاء المنظمة، ومواصلة الزخم نحو تحقيق مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة للتجارة العالمية. حيث تركز الدولة على إيجاد بيئة مناسبة لإجراء حوار بنّاء بين الدول الأعضاء، بهدف توفير الدعم المناسب للجهود الرامية للتوصل إلى رؤية مُتوافقة ومُوحّدة في ما يخصّ القضايا التجارية الرئيسية، وإعادة التأكيد على التزامها بنظام التجارة العالمي خصوصاً في ظلّ الوضع الراهن للاقتصاد العالمي وما يتسم به من عدم الوُضوح وتزايد التعقيدات.

إن نجاحات دولة الإمارات ورؤيتها لأهمية التجارة عبر عنها الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية، رئيس المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية، أصدق تعبير بقوله «إن التجارة تُعدّ محركاً رئيسياً للاقتصاد العالمي، فهي تحفز الإنتاجية والتنمية والفرص في أرجاء العالم، الأمر الذي من شأنه أن يخلق فرص عمل، ويعزز تبادل المعارف والخبرات، ويدعم الابتكار، ويشجع ريادة الأعمال ويحفزها». وكان دقيقا فيما ذكره من أن «دولة الإمارات مثال ونموذج عالمي يحتذى به في قدرة التجارة على الارتقاء بالاقتصاد وتحفيز نموه وعلى رسم مسار يقود إلى الرخاء المستدام على المدى البعيد. ولهذا تعد الإمارات من المؤيّدين الدائمين لنظام تجاري عالمي قائم على قواعد شفافة وعلى معايير واضحة، ويَسهل تطبيقه، وقابل للتكيف ويتمتع بالمرونة اللازمة لتخطي التحديات».

*كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2cjwdb

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"