التنافس على المهارات

22:48 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*
إن النمو الذي تحركه التكنولوجيا ضروري، فمن دون الاكتشافات المهمة في العلوم الطبية لن يكون من الممكن توفير الرعاية الصحية لجيل من المسنين دون التسبب في إفلاس الشباب. ودون النمو الاقتصادي السريع الذي تحركه التكنولوجيا الجديدة لن يكون من الممكن الحد من الفقر أو أن نضمن للجيل القادم حياة أفضل من حياتنا الحالية، وفي هذا السياق ترى الشركات أن حظوظها وآفاقها المستقبلية مرتبطة بشكل متزايد بقدرتها على اجتذاب مجموعة محدودة من العاملين المؤهلين في مجال التكنولوجيا. ومن المتوقع أن يصبح هذا النقص أكثر حدة في السنوات المقبلة مع استمرار توسع دور التكنولوجيا عبر الصناعات. وعلى الصعيد العالمي.

وتتنبأ دراسات أنه بحلول عام 2030 سيكون هناك نقص عالمي قوامه يزيد على 85 مليون عامل في مجال التكنولوجيا، مما يمثل عائدات سنوية ضائعة قيمتها 8.5 تريليون دولار وأنه من بين الاقتصادات التي من المتوقع أن تتعرض لأشد الأضرار البرازيل وإندونيسيا واليابان، التي قد تواجه كل منها نقصاً يصل إلى 18 مليون عامل، وأن الشركات تدفع أكثر وتوظف أعداداً أكبر، ولكن لا يزال هناك نقص في العاملين في مجال التكنولوجيا ذوي المهارات العالية. فالتكنولوجيا هي الخيط الذي يتخلل كل جانب من جوانب العمل.

وقد ظل الطلب على العمالة الماهرة في مجال التكنولوجيا قويا، خاصة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك طلب مرتفع على علماء البيانات ومهندسي البرمجيات والمبرمجين وخبراء الحوسبة السحابية، على سبيل المثال المنافسة التي نشأت بين المدن الأمريكية والكندية لتصبح موطن المقر الرئيسي الثاني لشركة أمازون. وبعد سباق مضنٍ تم اختيار مقاطعة أرلينغتون بولاية فيرجينيا.

وتظهر دراسات لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن بعض أجزاء العالم لا يمكنها تقديم مرتبات تنافسية أو أسلوب حياة جذاب لاستقطاب الموظفين المهرة، مما يؤدى إلى لجوء الشركات إلى عمالة تعيش في أماكن بعيدة قد لا تضطر إلى الانتقال فعلياً من أجل تغيير الوظيفة، غير أن هذا سلاح ذو حدين، حيث إن الاعتماد على العمالة البعيدة يجعل من الأسهل بكثير على العمالة الدولية اقتناص الموظفين من بعضها بعضاً. فبرغم كل شيء، ثمة نقص في العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات في جميع أنحاء العالم.

عندما لا يكون توظيف العاملين في مجال التكنولوجيا من الخارج خياراً متاحاً، تسعى بعض الشركات والحكومات إلى تدريب العاملين لديها. فتتطلع كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا إلى شركة غوغل لتدريب 10 ملايين من العاملين ذوي المهارات العالية، أطلقت عملاق التكنولوجيا برنامجاً تدريبياً مجانياً يهدف إلى سد ما يسمى بالفجوة الرقمية بين الأمم الغنية والفقيرة، بدءاً من مارس 2017.

وتقول تلك الدراسات إن قلة من السكان المحليين - في إفريقيا مثلاً – يتمتعون بالمهارات المتخصصة التي يتم البحث عنها كثيراً, وغالباً ما يعملون في الشركات المبتدئة ذات الأجور المرتفعة التي تحصل على تمويل أجنبي أو يديرون شركاتهم الخاصة، وأن توظيف العمالة ذات المهارة العالية من القارات الأخرى غالباً ما يكون غير عملي نظراً لصعوبة مضاهاة الأجور الدولية.

ويكون الحل هو الدخول في شراكات الجامعات المحلية لتنظيم حلقات تطبيقية وعقد دورات تدريبية لتهيئة العمالة الجديدة القادرة على تولي دفة العمل في أحدث تقنيات الشركة، ومنها أجهزة الاستشعار التي تساعد المزارعين على زيادة الإنتاجية. لكن هذا الحل، قد يشكل تحدياً جديداً، وهو التصدي لمحاولات الشركات متعددة الجنسيات التي تتعقب العمالة الماهرة من اقتناص العمالة التي تم الاستثمار فيها كثيراً.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/z82ss6bb

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"