أولوية البنية التحتية الثقافية

00:51 صباحا
قراءة دقيقتين

هل غياب البنية الثقافيّة السليمة، مسؤول عن غياب البوصلة في العالم العربي منذ عقود؟ فكرة العمل العربي المشترك، كانت مجرّد عنوان جميل على صفحة بيضاء من غير سوء. كانت البلدان القادرة على أن تفعل شيئاً ما، قبل أكثر من نصف قرن، منتشيةً بالإنشاء والإنشاد. الاشتراكية منها لم تخطُ خطوةً على طريق تنمية بلدانها، إلاّ بإطلاق الهتافات؛ والعروبية منها ازداد بها العرب تفرّقاً وافتراقاً وفُرقة. الماركسيون لم يكونوا لا لينينيّين ولا ماويّين. لينين أسفر نهجه عن الستالينيّة، التي بنت قوّة تسليحيّة جبّارة لكنها أهملت التنمية الشاملة، فسقطت في النهاية، وماو أفضت مسيرته وامتداداتها الإصلاحيّة مع دينغ شياو بينغ إلى ما نرى الصين عليه اليوم. نموّ منهجي تصاعدي.

الفكرة التي كانت دائماً غائبةً، هي أن التوجهات السياسية المتباينة، تستطيع أن تتجاوب وتتناغم، حين ترسم هدفاً تنمويّاً مشتركاً. توافق مفاده: لكم نهجكم ولي نهجي، لكم نظامكم ولي نظامي، لكم أيديولوجيتكم ولي أيديولوجيتي، لكننا جميعاً نستطيع أن نعمل معاً، فثمة متسع من الفضاء الجغرافي، وثروات تنوّعها بلا حدود. يقولون إن المليارات الثمانية لنفوس شعوب العالم، لو وضعوا متلاصقين لوسعتهم مساحة بلجيكا، وهي ثلاثون ألف كم مربّع. العالم العربي، ما شاء الله، أربعة عشر مليون كم مربّع، ولا وجود لبلد عربي ليس له ثروات ولو نسبيّاً، فإن انعدمت فالخير في اليد العاملة. أليس التوصيف يحتاج إلى كوميديا إلهية عربية لتأمّل الحاجة الماسة لدى أصحاب سلّة الغذاء العربي إلى لقمة العيش مشرّدين في بلدان إفريقية عدّة؟ أليس أعجوبةً أن يتحوّل حلم الجماهيرية بالنهر العظيم إلى تسونامي السدّين في درنة، لأن عشاق الاستفراد بالسلطة كانوا يتقاتلون غير مبالين بنذر التصدعات الكارثية؟

لا حاجة إلى الذهاب إلى بعيد في الأحلام، فإذا لم تتفتّق القرائح السياسية عن فكرة لبناء عمل عربي مشترك منذ ما قبل مطلع القرن الماضي، عند ظهور تيارات نهضوية تنمويّة حقيقية، فسفر رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا كان رغبةً في الاستلهام والاستنساخ لنموذج، فإنّ العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين شهدا ومضات فكريةً وتنمويةً كثيرة. لكن التجاذبات الحزبية فعلت كل شيء ما عدا العمل العربي المشترك. اليوم لو قال أحدٌ إن البداية يجب أن تكون من تحت الصفر، لرموه بدواوين هجاء. غياب تلك الفكرة البسيطة، بساطة ذرّة الهيدروجين، هي التي كانت خليقةً بإطلاق طاقة انصهارية تنموية.

لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: حين بدأت الصين مسيرتها، لم تكن لها لا جغرافيا العرب ولا ثرواتهم. أين كانوا وأين أصبحوا؟ هذه هي المسألة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mthbr6ev

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"