الجوع صناعة بشرية

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

أزمات العالم تتكاثر، وأكثرها خطورة هي أزمة الغذاء التي أصبحت تهدد حياة الملايين، وتسبب حالة من المعاناة لمعظم سكان الأرض، وتهدد استقرار الكثير من دول العالم، بعد أن أفرزت غضباً اجتماعياً يتم التعبير عنه بمظاهر مختلفة، تبدأ من انتشار الجريمة بأشكالها المختلفة، ولا تنتهي عند التظاهرات التي تندلع في قارات العالم المختلفة، مطالبة بلقمة العيش، وتزيد الحقد بين طبقات اجتماعية، وتفرز انقسامات مجتمعية وفتناً تهدم دولاً، وتهدد السلام العالمي.

احتفل العالم، الأسبوع الماضي، باليوم العالمي للغذاء الذي يوافق ١٧ أكتوبر/ تشرين الأول، من كل عام، وجاء ذلك في وقت يستشري فيه الجوع، ويتضاعف عدد الجوعى سنوياً، والذي تضاعف من 282 مليوناً، إلى 345 مليوناً، إلى ٨٠٠ مليون، خلال السنوات الماضية. وللأسف، فإن الأرقام الحقيقية للجوعى في العالم تزيد عن ذلك كثيراً، فكل منظمة وهيئة تعلن عن أرقام تختلف عن غيرها، ما يسبب لدى المهتمين والباحثين حالة من الحيرة، بجانب أننا جميعاً نتابع ونرى وندرك أن عدد مَن يعانون الجوع، أو يعانون سوء التغذية، وصل إلى أرقام مليارية، ولعل العام الجاري هو الأسوأ، حيث ارتفعت نسب التضخم في دول مختلفة، وحاصر الغلاء بطون البشر، وأجبر الأغلبية على إعادة النظر فيما يأكلون أملاً في تخفيض ميزانية الطعام، بما يتناسب وقدراتهم المادية المحدودة، بالنسبة إلى ما وصلت إليه أسعار المواد الغذائية.

البعض يروّج أن الأرض ضاقت بالبشر، وأن الجوع صار أمراً حتمياً، مع وصول عدد سكان الكرة الأرضية إلى أكثر من ثمانية مليارات، ما يوحي بأن نقص الغذاء تتحمل مسؤوليته الطبيعة، ولكن الحقيقة أن الجوع صناعة بشرية، وأن نقص الغذاء والماء تقف وراءه الممارسات الخاطئة من كبار العالم، وسادته، فلا يخفى على أحد كمية الغذاء التي يتم إهدارها، والتي تصل، حسب آخر الإحصاءات، إلى 1.3 مليار طن سنوي، بمتوسط 774 كيلوجراماً للفرد الواحد، والطامة أن هذه النسبة تزيد عربياً، وتصل إلى 40 كيلوجراماً. نهدر كل هذه الكميات من الطعام وبعضنا يعاني الجوع الذي يقتل 11 فرداً حول العالم كل دقيقة، حسب منظمة مكافحة الفقر «أوكسفام».

إهدار الطعام تتحمل مسؤوليته الشعوب، فالبذخ والإسراف سلوك إنساني لا تتحكم فيه الحكومات، وإن كانت تستطيع ترشيده بالتوجيه والإلحاح، حتى يتم تقويم المهدرين، وأيضاً بجمع بقايا الطعام الصالحة وإعادة توزيعها على المحتاجين، وهو ما بدأ تطبيقه في بعض الدول من خلال بنوك الطعام.

الأسباب الأهم في استفحال الجوع تقف وراءها الحكومات التي اعتدت على الطبيعة، وتسببت بظاهرة الاحتباس الحراري الذي انعكس حرارة شديدة، أو برودة تتجاوز المألوف، ما انعكس هلاكاً للمزروعات، ونقصاً في المحاصيل، وغلاء غير مسبوق في الأسعار، عجز معه الناس عن تلبية احتياجاتهم واحتياجات ذويهم الغذائية. فضلاً عن الكوارث الطبيعية التي زادت حدتها مع التغيّر المناخي، مثل الفيضانات والعواصف والأعاصير والزلازل، وغير ذلك، والتي تنال من الزراعة، وتنال من الاستقرار الإنساني وتزيد الفقر، وهي القضية التي ستنال الاهتمام المناسب في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «cop28» الذي سينعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة، الشهر المقبل.

وبدلاً من أن يبحث العالم عن حلول لأزمة الغذاء يفاقمونها بخلق أزمات جديدة، حروب ونزاعات وانقسامات وحصار على هذا الشعب، أو ذاك، وكلما بدأ نزاع تدخّل الكبار لتحويله إلى حرب، وعندما تندلع حرب يتدخلون لضمان استمرارها حتى تستنزف ثروات الأطراف المتصارعة، ينحازون، ويسلّحون ويصبّون الزيت على البنزين، ليبقى الحريق مشتعلاً. وتوجهّ الأطراف المتحاربة معظم ميزانيتها للتسليح، والكل يضع الغذاء جانباً، والنتيجة المزيد من الفقر، والمزيد من الجوع، ومن لا تقتله آلة الحرب يقتله الجوع.

الغذاء أزمة كبيرة أفرزتها أزمات متعددة، المياه تنقص، واليابسة مهددة من جراء الاحتباس الحراري، والنزاعات والحروب لا تتوقف، والفيروسات والأوبئة تلاحق الإنسان، وإذا كان في العالم اليوم أكثر من 800 مليون جائع، فلننتظر تضاعفاً في الرقم في المستقبل القريب، ليتحول الإنسان إلى مخلوق مهدد، أينما كان، بأزمات صنعها له إنسان مثله.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39ujkyer

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"