تونس ومسار الانتخابات الجديدة

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

انطلقت، يوم الاثنين الماضي، عملية تقديم الترشيحات للانتخابات المحلية في تونس، المفترض أن تجري في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وتمثل هذه المحطة الانتخابية مرحلة ثانية من المشروع السياسي الذي قدمه الرئيس قيس سعيّد في عهدته الانتخابية.

الانتخابات الجديدة هي الأولى في تاريخ الدولة التونسية المعاصرة، لأنها ستجرى بشكل مختلف، يبدأ من الدوائر المحلية الصغرى وصولاً إلى الدوائر الجهوية (المحافظات)، ثم تتخذ صبغة إقليمية (نظام جديد)، لتنتهي بانتخابات مجلس الجهات والأقاليم، وهو الغرفة التشريعية الثانية، إلى جانب مجلس نواب الشعب.

ويتضح أن هذا النظام الانتخابي الجديد يوسع نطاق المشاركة إلى حد كبير جداً، وغير مسبوق، وأن الانتخابات المحلية ستجرى في أكثر من 2000 دائرة، ما يمكّن الناخبين من اختيار شخصيات هي الأقرب إلى تمثيلهم، وهي الأكثر معرفة بمطالب تلك الدائرة، ومن ثمّ يتم تصعيد المنتخبين على الصعيد المحلي إلى الانتخابات الجهوية والإقليمية.

إن هذا النظام يمكن إذا ما استوفى شروطه العملية، خاصة تلك المتعلقة بخفض مستوى الفساد المالي، أن يكون نظاماً ديمقراطياً شاملاً يمكّن الأفراد والجهات والمحليات من أن تعبّر عن نفسها، وأن تشارك في رسم القرارات التنموية الشاملة، وأن تدافع عن حظوظها ضمن رؤية أشمل لنهضة الاقتصاد التونسي.

فعندما يتم الحديث عن أن تونس تمتلك ممكنات تنموية قادرة على تلبية حاجات مواطنيها، فإن هذا الحديث فيه من الوجاهة الشيء الكثير، وفي غياب القرارات التنموية الصحيحة بسبب مركزية البيروقراطية الإدارية في الوضع الحالي، فإن الكثير من تلك المقدرات التنموية تظل إلى الآن مهدورة وتتسبب بانتشار ظواهر البطالة، والفقر، والهجرة غير الشرعية، والحال أنّ فرص الاستثمار والمبادرة كبرى.

الرئيس قيس سعيّد مصرّ على أن تنتقل تونس سياسياً، إلى مرحلة جديدة تتكامل فيها المسارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهذه المرحلة وجب أن تُسقِط كل الحدود التي رسمتها الأنظمة السابقة، وفرضت نمطاً اجتماعياً واقتصادياً يسمح ببروز كارتلات، مالية واقتصادية، متورمة وترك أغلبية الشعب في حالة فقر مزرية.

وهنا يمكننا القول إن الكرة الآن هي في ملعب الشعب التونسي الذي عليه أن يبرهن أنه في مستوى هذه المسؤولية، وأن يكون حاضراً بقوة في يوم الاقتراع ليكون صوتاً داعياً للتغيير، ومدافعاً عن حقوقه. أما الدعوات إلى مقاطعة هذه الانتخابات من قبل نخب سياسية، أو أطراف حزبية فقد أثبتت إفلاسها، وفقدت ثقة الشعب بها، ولن تكون سوى سعي إلى ترسيخ المنظومة القديمة بكل سلبياتها، وفشلها في إرساء نظام تنموي عاد ل وشامل.

إن الديمقراطية الشعبية هي مسار جديد في كل الأنظمة الديمقراطية التي رأت أن النظام القائم منذ عقود طويلة بات يحتاج، هو نفسه، إلى عملية دمقرطة، بعد أن تحولت هذه الأنظمة إلى فرصة لسيطرة قوى المال والنفوذ الإعلامي، وتوجيهها لما يخدم طبقات محددة تمارس نفوذها بالسلطة السياسية التي تتمكن منها. إن فرصة التونسيين كبيرة جداً في صياغة مشروع سياسي متكامل يشكل نقلة نوعية لا في تونس فقط،بل في المنطقة.

وإن الخروج من الحالة الاقتصادية المتردية في تونس مباشرة عمليات إصلاح اجتماعي واسعة تعتمد بصورة كبرى على استكمال المسار السياسي الجديد، وتركيز كل مؤسسات الدولة، ولهذا فإنّ إنجاح الانتخابات القادمة ليس مجرد إنجاح لانتخابات، بل هو البوابة التي لا بد منها للعبور إلى مرحلة جديدة تقطع مع الماضي، وتؤسس لمستقبل انتظره التونسيون، فهم الذي سيصوغونه باقتراحاتهم وأفكارهم مشاريعهم التنموية، وهم الذين سيسهرون على تطبيقه تحت رقابة دولة قوية وعادلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43238tha

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"