الإسراف الأمريكي في تمويل الأزمات

22:49 مساء
قراءة 3 دقائق

أندرو موران*

في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة ديناً وطنياً يبلغ 33.55 تريليون دولار، وعجزاً قدره تريليوني دولار، و200 تريليون أخرى في شكل التزامات ونفقات غير ممولة، تزداد التكهنات حول مدى قدرة واشنطن على الاستمرار بتمويل حكومات أجنبية هنا وهناك؟ وكيف سيؤثر الصراع المتجدد بالشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي المعقد بعض الشيء؟

وفي ضوء ذلك، تشير التقارير إلى أن البيت الأبيض يجري محادثات مع المشرعين حول إعداد مشروع قانون تمويل «تكميلي» يقضي بضخ الأموال لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان، إضافة إلى المنطقة الحدودية بين الولايات المتحدة والمكسيك، مع ضمان القدرة على معالجة الضغط الذي قد يفرضه إرسال المزيد من المعدات العسكرية إلى هذه البلدان على مخزونات وزارة الدفاع.

وفي مؤتمر صحفي عقده البيت الأبيض في الحادي عشر من تشرين الأول/أكتوبر، أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي وجود محادثات نشطة حول إمكانية البدء بإجراءات التمويل هذه معاً، مشيراً إلى أن التمويل السخي المقدم لأوكرانيا قد شارف على نهايته.

في الواقع، كيف يمكن لحكومة الولايات المتحدة، التي تنفق بالفعل 7 تريليونات دولار سنوياً، مواصلة تمويل الصراعات الخارجية والحروب؟ ماذا لو تأججت الأزمة الخامدة بين الصين وتايوان، وكانت قطعة الدومينو التالية التي ستسقط في مباراة الشطرنج الجيوسياسية العالمية، كم سيكلف ذلك واشنطن من الأموال؟

صحيح أن المسؤولين الأمريكيين الذين يدرسون الأرقام ويُحصون الأموال قد لا يرغبون في اتخاذ قرار بالتخلي عن حلفائهم، لكن في المقابل، عليهم التفكير ملياً في المبلغ الذي تستطيع الولايات المتحدة أن تنفقه بشكل واقعي للحفاظ على مكانتها «كشرطي العالم»، وسط الصعوبات التي تكتنف مفاصل الاقتصاد وتقض مضجع دافعي الضرائب الأمريكيين حالياً.

ولنتأمل هنا قليلاً كيف باعت حكومة الولايات المتحدة ما قيمته 20 مليار دولار من سندات الخزانة لمدة ثلاثين عاماً في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وكيف شهد مزاد السندات طلباً ضعيفاً. بعبارة أخرى، لا تستطيع واشنطن الاستمرار في رحلة العجز المالي، وستضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة في المستقبل القريب.

وفي كلمتها أثناء حضور اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مؤخراً في المغرب، قللت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين من أهمية أي آثار محتملة على آفاق الاقتصاد الأمريكي والعالمي جراء الحرب الدائرة في فلسطين.

واتفقت الأسواق المالية العالمية نسبياً مع حديث يلين، حيث ارتفعت مؤشرات الأسهم القياسية قرابة 2% منذ نحو أسبوعين، قبل أن تعاود الانخفاض. وفي الوقت نفسه، لا يزال المتداولون يسعون وراء الأصول التقليدية للملاذ الآمن، مثل الدولار الأمريكي الذي ارتفع بنسبة 0.4% منذ بدء الحرب على غزة.

ويؤكد الاقتصاديون أنه من غير المرجح أن يمتد الصراع العسكري في الشرق الأوسط إلى الاقتصاد الدولي بشكل كبير. ومع ذلك، فإن المخاطر يمكن أن تشتد كلما طال أمد الحرب. ومن يدري ما هو الدور الذي ستلعبه دول المنطقة الأخرى في الأحداث الدائرة؟

في غضون ذلك، يعد النفط الخام واحداً من الأصول المعرضة لخطر التقلبات وسط الظروف الحالية. فبعد ارتفاع أسعاره بنسبة 4% في أعقاب الصراع الدائر حالياً، هدأت الأسعار من جديد، ولا تزال تداولات السلعة أقل بكثير من أعلى مستوى لها في عام 2023. لكن أسعار الطاقة قد ترتفع مجدداً بناء على المتغيرات العسكرية والجيوسياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم. وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن القيود الجديدة يمكن أن تمحو ما يصل إلى 500 ألف برميل يومياً من أسواق الطاقة العالمية، ما يؤدي إلى تفاقم صعوبات المشهد الضيق بالفعل.

في نهاية المطاف، يبدو أن جيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير الإداري لصندوق النقد الدولي، كانت على حق عندما صرحت لتلفزيون «بلومبيرغ» بأنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت الحرب بين إسرائيل وحماس سوف تعزز من ضغوط التضخم، أو تعيق النمو الاقتصادي العالمي، وتضر بالأسواق المالية الدولية.

لكن بطبيعة الحال، وفي ظل اقتصاد عالمي متعثر، حيث التضخم الجامح يتجاوز الاتجاه العام، والعديد من البنوك أشهرت إفلاسها، والتباطؤ الاقتصادي والعقاري يضرب الصين، فضلاً عن الصراع الأوكراني الروسي المستمر وما خلفه من أزمات طاقة وسلاسل إمداد متعثرة، مروراً بارتفاع مستويات الديون الأمريكية ونمو أسعار الفائدة القياسية منذ عقدين من الزمن، فإن حرباً عالمية أخرى هي آخر ما يحتاج إليه أو يرغب فيه المشهد الدولي المشتعل أساساً الآن.

*محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن نيوز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3khe5m45

عن الكاتب

محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"