حواريّة الاستراتيجيّة الإلغائيّة

01:11 صباحا
قراءة دقيقتين

عبداللطيف الزبيدي

قلت للقلم: هل تستطيع بمنتهى التبسيط أن تشرح لي أسباب التوتّر المحتدّ المحتدم، الملتهب تحت مِرجل العلاقات الدولية؟ قال: التقصير تقصير العالم، فهو غير قادر على فهم الغرب، والاستجابة لمطالبه المتواضعة بتلبية رغباته. ثمّة فرق بين مَعدة ومَعدة، النملة تكفيها حبّة برغل، الفيل يشبع بثلاثمئة كيلوغرام من العشب، أمّا الثقب الأسود، فالنجوم للوجبات الرئيسية، والكواكب «قزقزة لبّ».قلت: لكنّ كوكبنا، ومنه العالم العربي، ليس بيت مؤونة لجناب الغرب. ثم، تعال قل لي: ألم تقضِ عشرات البلدان في العالم عشرات السنين في النظر إلى الغرب كقدوة ومثال؟ أي أنها كانت تحلم بأن تكون ظله أو طيف خياله، فإذا الحلم يطول بها، فلمّا صَحَت صاحت بها النكبات، وإذا ثرواتها منهوبة، وإرادتها مسلوبة، وفصولها مقلوبة، فربيعها شتاء تعوي فيه الذئاب، وكوابيس تورث الاكتئاب. هل السبب أخطاء حسابات تنمويّة؟

قال: القوى الغربية لا ترى الأمور كذلك. هي حين تنظر في المرآة تتجلى لها منحوتات الحرية والتحرير ونشر الديمقراطية، فهذه الشعارات في نظرها تحتاج إلى من يسوّي الخرائط بالأرض، ويكنس من وما عليها في سبيل تحقيق مآرب الرحى. هي ترى نفسها رمز القناعة إلى حدّ الزهد في متاع الدار الفانية. في معظم القرن العشرين كان لها نكد الدنيا في الحرب الباردة، وحين سقط الاتحاد السوفيتي، لم تتمّ الفرحة برئاسة «بوريس يحتسين»، فسرعان ما انبرى بوتين وامتطى صهوة الدبّ. لقد قالت عنه الإمبراطورية صراحة: «إن جرمه الشنيع هو أنه قضى عشرين سنة في العمل على تقوية روسيا». جناية في رأيهم أن تجعل وطنك عزيزاً منيعاً. بينما السيّد فلاديمير يترنّم على غرار قول نزار: «عشرون عاماً يا مسار الحِمى.. ولم نزل في الخطوة الأولى».

قلت: زبغنيو برجنسكي هو السبب. هو الذي تحدث صراحة في كتابه «رقعة الشطرنج الكبيرة» عن أن تقسيم روسيا ضرورة قصوى، لمحاصرة الصين وتطويقها. وكونداليزا رايس قالت: «إن مساحة روسيا، 17 مليون كم مربّع، أكبر بكثير من حاجة روسيا، لذلك يجب تقسيمها» لكن، والحق لا يقال، القوى الغربية تختلف في الأذواق، هذه ترى الخرائط كعكات و«تورتات»، وتلك تراها ذبائح، واحدة تفضل الكتف، والأخرى «الفيليه»، وغيرهما «الأوسّو بوكو». البلدان «ملك أبوكو».

قال: الغرب أهدافه «معدودة»، يريد أن يرى العالم من دون الصين وروسيا، وأن تكون له ثروات العرب والمسلمين والأفارقة وأمريكا الجنوبية. وعندما لا يبقى غير الغرب، يجعل شعوب أوروبا موظفين يعملون لدى الإمبراطورية، وقد يستعيض عنهم بالروبوتات، التي هي قطط من خشب، تصطاد ولا تأكل. قلت: الآن أدركت أن الغرب أصابته عدوى «بوريس يحتسين»، والآن طارت النشوة، وجاءت الصحوة على عالم جديد. لهذا كل هذا التسونامي المتنامي.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاغترارية: حماقة الاستراتيجية أن تضع خططاً إلغائيةً لثلاثة أرباع العالم، ولا تحسب حساباً لخطط الآخرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7y965v

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"