تايلاند بين الغاز المسال وتحول الطاقة

22:16 مساء
قراءة 4 دقائق

غافين ماغواير *

قفزت تايلاند، وللمرة الأولى، من المركز الحادي عشر إلى الثامن في التصنيف العالمي لمستوردي الغاز الطبيعي المسال، وذلك بعد أن ارتفعت مشترياتها لهذا العام بنسبة 25% إلى 22.9 مليون متر مكعب حتى أكتوبر/تشرين الأول، مقارنة مع 19.8 مليون متر مكعب لعام 2022 بأكمله، وفقاً لبيانات «كِبلر».

وتتناقض شهية تايلاند القوية للوقود الحيوي فائق التبريد مع الانخفاض الكبير الحاصل في مشتريات السلعة من قبل كبار المستوردين العالميين هذا العام، مما يشكل مصدر قلق متزايد لمؤيدي تحول الطاقة في جنوب شرق آسيا. حيث يُنظر إلى تايلاند بوصفها قوة قادرة على التأثير على الآخرين من حيث طموحات واستراتيجيات التحول المنشود.

ويعتبر نظام توليد الكهرباء الذي يستخدم الغاز بكثافة، المحرك الرئيسي لواردات تايلاند من الغاز الطبيعي المسال، والتي قفزت بنسبة 127% منذ عام 2019. حيث شكل الغاز الطبيعي نحو 67% من إجمالي قدرات التوليد في البلاد هذا العام، بحسب أحدث بيانات «إمبر». ومن باب المقارنة، بلغت حصة الغاز المستخدمة في توليد الكهرباء حوالي 30% في عموم جنوب شرق آسيا، ونحو 10% للقارة بأكملها.

كما ارتفع متوسط توليد الطاقة بالغاز في تايلاند بأكثر من 63% هذا العام؛ حيث زادت شركات الطاقة هناك الإنتاج الذي يعمل بالغاز لتعويض انخفاض حصة الفحم في مزيج التوليد من حوالي 20% العام الماضي إلى نحو 16% هذا العام.

وقد أظهرت بيانات «إمبر» الحديثة أن انخفاض إنتاج الفحم قد ساهم بتراجع أحجام الانبعاثات ذات الصلة في تايلاند بما يقرب من 2.5 مليون طن خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022. ومع ذلك، فإن هذا الانخفاض تم تعويضه من خلال قفزة بنحو 5 ملايين طن في الانبعاثات الناجمة عن توليد الطاقة من الغاز خلال نفس الفترة.

وعليه، ارتفع إجمالي انبعاثات قطاع الطاقة في تايلاند إلى مستويات قياسية جديدة هذا العام، بالرغم من القيود المفروضة على عمليات التوليد من الفحم، الأمر الذي أثار حفيظة مراقبي المناخ الذين يأملون في بذل مزيد من الجهود على مستوى المنطقة لعكس اتجاهات انبعاثات الغازات الدفيئة.

وتعتبر تايلاند، وهي ثاني أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا بعد إندونيسيا، رائدة إقليمية من حيث الزخم الاقتصادي العام وإمكانات تحول الطاقة. ولطالما كانت البلاد تاريخياً منتجاً بارزاً للغاز الطبيعي من الآبار في خليجها، لكن استنزاف الاحتياطيات من الحقول المحلية المتقادمة، إلى جانب النمو السريع للطلب على الطاقة، حولها إلى مستورد صافٍ للغاز منذ أكثر من 20 عاماً.

ونظراً لهذا الاعتماد المكثف والمرهق على الواردات الكربونية، تزداد التوقعات بأن تتحول تايلاند إلى مطور حقيقي ومستثمر بارز لمصادر الطاقة المتجددة لديها، في ظل تمتعها بكميات وافرة من أشعة الشمس الساطعة، مع خط ساحلي واسع ومناسب لطاقة الرياح. لكن مع ذلك، لا تزال تايلاند واحدة من أبطأ مطوري إمدادات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في منطقة جنوب شرق آسيا، وتمثل هذه الإمدادات الخضراء حالياً أقل من 5% من إجمالي قدرات التوليد لديها. وعلى النقيض من ذلك، تُولّد فيتنام أكثر من 13% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في حين تبلغ هذه الحصة في آسيا ككل نحو 11%.

ورغم اعتمادها كذلك على مرافق الطاقة الحيوية والطاقة المائية لتوليد الكهرباء النظيفة، أعطت تايلاند الأولوية لاستثمارات إضافية من الغاز الطبيعي المسال على المصادر الأخرى في توليد الطاقة. ومنذ عام 2015، شكّلت التوسعات في أحجام الغاز لديها 72% من إجمالي الزيادات في قدرة توليد الكهرباء محلياً.

في غضون ذلك، يشكل الفحم 2% إضافية من نمو قدرات التوليد في البلاد منذ عام 2015، وقد تفوقت تايلاند على إندونيسيا، أكبر مُصدر للفحم الحراري في العالم، من حيث حصة الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء. وجدير بالذكر أن إندونيسيا تعتمد لعقود من الزمن على قطاع تعدين الفحم المحلي لتوفير الوقود لمحطات الطاقة، وتستخدم الفحم لتوليد حوالي 62% من احتياجاتها من الكهرباء.

إن العزاء الرئيسي لدعاة تحول الطاقة ومراقبي المناخ هو أن تطوير قدرات جديدة لتوليد الكهرباء قد يكون أكثر أهمية من الاتجاهات التاريخية السابقة. وقد تعهدت جميع دول جنوب شرق آسيا بتسريع تنمية الطاقة المتجددة؛ حيث تستهدف تايلاند استخدام الوقود غير الأحفوري لتوفير 35% من احتياجاتها بحلول عام 2037.

ولتحقيق ذلك، يجب أن ترتفع قدرة توليد الطاقة المتجددة بشكل حاد، وأن تطغى على معدل نمو نظيرتها من الوقود الأحفوري على مدى العقد المقبل على الأقل. ومن شأن هذه الوتيرة أن تؤدي إلى إبطاء واردات تايلاند من الغاز الطبيعي المسال؛ حيث من المتوقع أن ينخفض استخدام السلعة أكثر مع نمو توليد الطاقة المتجددة.

ومع ذلك، تشير وتيرة النمو القوية لواردات تايلاند من الغاز الطبيعي المسال على المدى القريب، إلى أن الوقود الأحفوري يحوز معظم اهتمامات التوسع في نظام الطاقة الرئيسي للبلاد.

* كاتب متخصص بأسواق السلع وانتقال الطاقة العالمية «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfx85k9

عن الكاتب

كاتب متخصص بأسواق السلع وانتقال الطاقة العالمية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"