كهرباء فرنسا «النظيفة»

21:52 مساء
قراءة 4 دقائق

غافين ماغواير *

قفز إنتاج الطاقة النووية في فرنسا إلى أعلى مستوياته منذ ثلاث سنوات خلال الأيام الأولى من شهر يناير/ كانون الثاني للعام الجديد، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 18% في الأحجام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وذلك وفقاً لبيانات توليد الطاقة الصادرة عن «إل إس إي جي».

يأتي ارتفاع الإنتاج الفرنسي في الوقت الذي أدت فيه موجة البرد الممتدة من دول شمال القارة العجوز إلى زيادة الطلب الإقليمي على وسائل التدفئة، وسمحت لأكبر مُصدّر للكهرباء في أوروبا بتعزيز تدفقات الطاقة النظيفة إلى الدول المجاورة حتى الآن هذا العام، بحسب وكالة الطاقة الدولية.

وتعد فرنسا إحدى أكثر دول العالم اعتماداً على الطاقة النووية في توليد الكهرباء، إذ تغطي مفاعلاتها النووية ما يعادل 70% من حاجاتها للطاقة. وإذا تمكنت الشركة الفرنسية للكهرباء، «إي دي إف»، المزود الرئيسي للطاقة في البلاد، من الحفاظ على مستويات عالية من إنتاج الطاقة النظيفة وصادراتها، فقد يساعد ذلك المرافق، في أماكن أخرى، على الحد من استخدام الوقود الأحفوري في عمليات الطاقة هذا الشتاء، وربما تجنب الزيادة التقليدية في تلوث الطاقة المرتبطة مباشرة بعمليات التدفئة.

لقد أدت مشكلات الصيانة الممتدة في المفاعلات الرئيسية القديمة إلى الحد من توليد الطاقة النووية في فرنسا إلى أدنى مستوياتها منذ 34 عاماً في 2022، ما أجبر شركات الطاقة على زيادة استخدام الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء في النظام الأكثر اعتماداً على الطاقة النووية في أوروبا.

كما أجبر النقص في الإنتاج النووي شركات الطاقة الفرنسية على عكس تدفقات الطاقة التقليدية بشكل متقطع داخل القارة، من خلال التحول إلى مستورد صافٍ، الأمر الذي فاقم أزمة الأسعار إقليمياً في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.

في غضون ذلك، أظهرت البيانات الحديثة أن مهندسي الطاقة في فرنسا بذلوا كل جهد ممكن لاستعادة مستويات الإنتاج العام الفائت، وتمكنوا بالفعل من رفع إجمالي توليد الطاقة النووية بنحو 15% بحلول نهاية العام من الإجمالي المتقزم لعام 2022.

وحتى الآن في عام 2024، تمكنت الشركة الفرنسية للكهرباء من دفع تعافي الإنتاج خطوة إضافية إلى الأمام، من خلال تجاوز مستويات الإنتاج بشكل حاد مقارنة ببدايات العامين الماضيين. لكن المعدلات لا تزال متخلفة بنحو 10% عن إجمالي إنتاج الطاقة في عام 2021.

وعلى الرغم من أعمال الصيانة الدورية التي تحتاج إليها العديد من المفاعلات الرئيسية الفرنسية حالياً بسبب مشكلات التآكل، قالت «إي دي إف» إنها تستهدف إجمالي إنتاج نووي يبلغ 365 تيراوات/ ساعة بحلول عام 2025، وصولاً إلى 400 تيراوات في 2030. وذلك مقارنة بنحو 320 تيراوات العام الماضي، وفقاً ل«إمبر».

ولو استطاعت فرنسا، خلال الأشهر المقبلة، الحفاظ على إجمالي معدلات توليد للطاقة النووية أعلى بكثير من النسب السلبية للاثني عشر شهراً الماضية، فقد تتمكن من تدعيم أرقامها المرتفعة الأخيرة من صادرات الطاقة النظيفة إلى الدول المجاورة.

وحتى التاسع من يناير الجاري، كانت فرنسا مُصدّراً صافياً لأكثر من 12.2 غيغاوات من الطاقة يومياً، مع ما يقرب من 3 غيغاوات متجهة إلى ألمانيا، و6 غيغاوات أخرى موزعة على كل من سويسرا والمملكة المتحدة وإيطاليا، حسبما أعلنته وكالة الطاقة الدولية.

وازداد إجمالي صافي الصادرات الفرنسية من الطاقة بنسبة 70% تقريباً عما كان عليه خلال الفترة نفسها من عام 2023، عندما كانت فرنسا مستورداً صافياً للطاقة من إسبانيا، واضطرت إلى تقييد الصادرات إلى الأسواق الرئيسية، مثل سويسرا وإيطاليا، بسبب محدودية الإنتاج المحلي آنذاك.

وفي حين أن الاقتصادات الرئيسية مثل ألمانيا لديها متوسط إجمالي للطلب على الطاقة يبلغ نحو 65 إلى 70 غيغاوات/ ساعة، فإن 5 إلى 10 غيغاوات يومياً من واردات الطاقة التي تقدمها باريس تساعد في تقليل الضغط على منتجي الطاقة المحليين.

كما تساعد واردات الطاقة النظيفة المنتظمة أيضاً في خفض حاجة الشركات المحلية إلى استخدام مصادر طاقة عالية التلوث، مثل محطات التوليد العاملة بالفحم، والتي تعتبر مساهماً رئيسياً في أرقام الانبعاثات العالية على مستوى القارة. إذ شكل الفحم نحو نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي أطلقها قطاع الطاقة الأوروبي، والبالغة 1.42 مليار طن متري في عام 2023، مع توليد 14.2% فقط من الكهرباء للمنطقة.

وهذا يعني أن أي تدابير متخذة تُسهم في خفض حصة الفحم داخل مزيج التوليد، ستؤدي بلا أدنى شك إلى تخفيضات كبيرة في أحجام التلوث المحتملة، وخصوصاً في فصل الشتاء، عندما تصل انبعاثات الطاقة في أوروبا إلى ذروتها بسبب ارتفاع الطلب على التدفئة، ما يدفع المنتجين في المنطقة إلى زيادة إنتاجهم عبر الاستعانة بكافة المصادر، بما في ذلك الفحم، من أجل تلبية مستويات استهلاك الطاقة المرتفعة.

وفي حال تمكنت شركات الطاقة الفرنسية من الحفاظ على الوتيرة القوية للإنتاج النووي، الملاحظة حتى الآن منذ بداية العام الجديد، فقد يستطيع منتجو الطاقة الآخرون في أوروبا إبقاء مستويات توليد الفحم لديهم تحت السيطرة، وبالتالي ضبط مسببات التلوث المناخي أكثر، وحماية البيئة لسنوات مقبلة.

* كاتب متخصص في أسواق السلع وانتقال الطاقة العالمية (رويترز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4tyz3cs8

عن الكاتب

كاتب متخصص بأسواق السلع وانتقال الطاقة العالمية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"