الخليج ودوره الإقليمي والدولي

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

كانت منطقة الخليج عبر كل المراحل التاريخية وما زالت منطقة استهداف من القوى الإقليمية والدولية، وذلك نظراً ما لها من أهمية جيوسياسية كونها مصدراً للطاقة ما يعنى تأثيرها في الاقتصاد العالمي، إضافة إلى دورها ومكانتها السياسية المؤثرة.

ولو عدنا إلى الوراء لرأينا كيف أن المنطقة كانت تأتي على سلم أولويات الولايات المتحدة منذ ثلاثينات القرن الماضي في إطار استراتيجية الوصول إلى النفط، مروراً باستراتيجية التدخل وملء الفراغ الذي تركته بريطانيا بانسحابها من المنطقة، وصولاً إلى استراتيجية الوجود المباشر. وبالمقابل كان حلم الاتحاد السوفييتي دائماً الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج، وأما أوروبا فتعتبر المنطقة من المناطق التاريخية التي تربطها بها علاقات متميزة.

ومن ناحية القوى الإقليمية مثل إيران فكانت تنظر إلى المنطقة على أنها تقع في قلب مجالها الحيوي وتعتبرها امتداداً لأمنها، وحاولت بدورها ملء الفراغ بعد انسحاب بريطانيا؛ حيث قامت باحتلال جزر الإمارات الثلاث.

الثابت، أن المنطقة بقيت تحتفظ بأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية؛ حيث أصبحت لاعباً وفاعلاً تسعى إليه كل القوى الإقليمية والدولية. وفي الوقت ذاته ينبغي الإشارة إلى أن دول الخليج العربي لم تعد دولاً ساكنة تقوم برد الفعل؛ بل تحولت إلى دول مبادرة ولها قرارها المؤثر والمستقل في ما يخص أمنها والتهديدات التي تواجهها وهي كثيرة، في ظل التحولات في استراتيجيات الدول الكبرى في إطار الصراع القائم حول النظام الدولي، والانسحاب الأمريكي التدريجي من المنطقة وانسحابها من أفغانستان، وفي أعقاب تنامي الدورين الروسي والصيني في المنطقة والعالم، إضافة إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعياتها على أمن المنطقة والعالم.

لمواجهة كل ذلك عمدت دول الخليج إلى تنويع الشراكات الدولية مع كافة الدول وعدم الاعتماد على استراتيجية الحليف الأحادي، وهي الاستراتيجية التي تتيح لدولها هامشاً من المناورة والحرية السياسية وحماية قرارها السيادي ومصالحها العليا، والتخلص من الضغوط التي تمارس عليها. ولعل من أبرز الحروب التي كانت لها انعكاساتها البعيدة على دول المنطقة وسياساتها هي حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، ثم حرب الخليج الثانية التي قامت بها الولايات المتحدة بدعم التحالف الدولي. واليوم تشكل الحرب الأوكرانية بأبعادها الإقليمية والدولية ونتائجها السلبية أحد أهم المخاطر والتهديدات. ولقد مارست دول الخليج العربي دوراً متوازناً في محاولة الاحتواء والتخفيف من خلال لعب دور الوساطة والدعم الإنساني.

ولعل التحدي الأكبر ما تمثله اليوم الحرب الدائرة على غزة والتي تشكل إحدى أهم أولويات دول المنطقة التي تمارس أدواراً متعددة على مستوى الأمم المتحدة من خلال تقديم مشاريع القرارات لوقف الحرب، وبالقيام بالمبادرات الإنسانية الشعبية كما رأينا في مبادرة «تراحم من أجل غزة» في الإمارات.

لا شك أن دول الخليج العربي بما لها اليوم من دور ومكانة دولية في التأثير في القرار الدولي، وبما لها من شراكات وعلاقات استراتيجية تشكل كابحاً مهماً في احتواء هذه الحرب وتداعياتها الإقليمية، ودورها لما بعد مرحلة الحرب في عمليات الإعمار وبناء السلام العادل وتحقيق التنمية والاستقرار للمنطقة كلها.

ويبقى أخيراً، أن مقاربة بناء السلام التي تتبناها المنطقة إقليمياً ودولياً هي المنهاج البديل للحرب واستعادة الحقوق، من خلال دعم دور الأمم المتحدة في صنع السلام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4z2pysjh

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"