عادي
بروفايل

بريس نغيما.. «الحسابات الدقيقة»

01:10 صباحا
قراءة 5 دقائق
1


د. أيمن سمير
ينتمي إلى نفس الإقليم الذي جاءت منه عائلة بونجو جنوب شرق البلاد، عمل مع الأب عمر بونجو وابنه علي، يصف نفسه بالقائد الذي يكافح الفساد منذ عام 2021، عندما تولى مهمة الحرس الجمهوري، نتيجة لخلافاته السابقة مع الرئيس علي بونجو.. تم إيفاده للعمل كملحق عسكري في المغرب والسنغال، لكنه عاد عند مرض الرئيس المخلوع علي بونجو، وعلى الرغم من محاولة البعض الانقلاب ضد الرئيس علي بونجو عام 2018 فإنه كان يرى موقفاً آخر، فحساباته الدقيقة قالت إن الوقت للخلاص من عائلة بونجو في الغابون لم يحن بعد، راقب الموقف من بعيد، ورفض الانحياز إلى انقلاب عام 2018 الذي فشل فشلاً ذريعاً، لكنه منذ ذلك الوقت بدأ يحسب هفوات ونقاط ضعف رئيسية، وظل يحلل حالة السيولة السياسية التي تمر بها بلاده التي انضمت إلى منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» منذ عام 1975، وتصدر يومياً ما يقرب من 200 ألف برميل، وعلى الرغم من أن الأحوال في بلاده أفضل من دول الجوار في وسط وغرب إفريقيا فإنه كان يتأفف عندما يرى عدد الفقراء في بلاده النفطية يزيد على 40% من السكان الذين لا يتجاوزون 2.2 مليون نسمة.

يتمتع بذكاء حاد، وفق كل الذين تعاملوا معه، كما أنه دقيق في اختيار المكان والزمان، تململ الشارع، ورفض المعارضة لنتائج الانتخابات في 30 أغسطس/ آب الماضي، كانت لحظته التي انتظرها منذ عام 2018.

كل المؤشرات تقول إن حساباته لرد الفعل على سيطرته على الحكم، كانت ناجحة وصحيحة، فمثلاً، ثبتت صحة رؤيته لرد فعل عائلة بونجو والمعارضة في الداخل وحتى لزملائه العسكريين في مختلف الأجهزة الأمنية، بمن فيها الشرطة المدنية، كما أن خطابه للعالم نجح في تحييد الكثيرين، بما في ذلك الاتحاد الأوربي نفسه، بعد أن قال جوزيب بوريل الممثل الأعلى للشؤون الأمنية والسياسية الأوربية، إن هناك فارقاً كبيراً بين ما جرى في الغابون والنيجر، وأن انتخابات الغابون عليها علامات كثيرة، ولم ترق للمعايير الدولية، وهو كلام يصب بالكامل في مصلحة الحكام الجدد.

إنه بريس أوليغي نغيما رئيس المجلس العسكري الجديد في الغابون، الذي أدى مراسم اليمين الدستورية رئيساً للفترة الانتقالية، وتم اختياره بالإجماع رئيساً للجنة انتقال واستعادة المؤسسات، ورئيساً للمرحلة الانتقالية، وهنا تخلص الرجل من فصيلين معارضين له، الأول هو تيار داعم لعلي بونجو الذي يقبع في الإقامة الجبرية، بعد أن نجح المجلس العسكري من تجريده من كل شيء، وأصبح مواطناً عادياً، بينما نور الدين بونجو، الذي كانت مهمة نغيما في وقت ما تجهيزه ليخلف والده، زج به نغيما في السجن، وينتظر عقوبات تتعلق بالخيانة العظمى للبلاد، كما تخلص نغيما من تحالف المعارضة الذي يقوده ألبير أوندو أوسا، وحسب نتائج الانتخابات الأخيرة، فقد حصل أوسا على 30% في الانتخابات، بينما يقول أوسا والأحزاب الموالية له إنه الفائز الحقيقي في انتخابات 30 أغسطس/ آب الماضي، ولعل نزول الآلاف في الشوارع تأييداً لبريس نغيما وزملائه في المجلس العسكري، قطع الطريق على المعارضة التي ترى في مجموعة العسكريين الجدد برئاسة نغيما، الوجه الآخر، لعائلة بونجو، وترى في الأمر «مؤامرة» بأن عائلة بونجو أدركت نهاية علي بونجو سواء في الشارع أو لعدم قدرته الصحية على إدارة أمور البلاد، فلجأت إلى نغيما وزملائه العسكريين، ليحافظوا على ميراث عائلة بونجو، وهو سيناريو عده الكثير من الأوساط القريبة من الغابون مبالغاً فيه، وأن ما جرى بالفعل هو نهاية حقيقية ل56 عاماً من حكم عائلة بونجو التي حكم من خلالها الأب عمر بونجو منذ عام 1967 حتى وفاته في عام 2009، وتولى ابنه على بونجو 14 عاماً، أي منذ عام 2009 وحتى 30 أغسطس الماضي، وكان يستعد بداية من الأول من سبتمبر الجاري ليواصل الولاية الثالثة.

  • توقيت مناسب

تختلف أو تتفق معه، لكن بريس نغيما أكد أنه بارع في اختيار التوقيت المناسب، ليس فقط لأنه لم ينخرط في انقلاب عام 2019، وانتظر إعلان نتيجة انتخابات 2023؛ بل لأن خطواته في الغابون جاءت في سياق إقليمي، ومع 8 انقلابات أخرى جرت في الجوار في مالي وبوركينا فاسو وغينيا كونكري والنيجر، وكلها مستعمرات فرنسية سابقة، وهو ما ساعد بريس نغيما على الاستفادة من أخطاء الآخرين، فعلى سبيل المثال لم يصطدم مبكراً بفرنسا، ولم يطالب على الفور برحيل نحو 400 جندي فرنسي من الغابون التي تصل مساحتها إلى نحو 270 ألف كلم، وتقع على جانبي خط الاستواء؛ بل على العكس من ذلك، كان حريصاً كل الحرص على إظهار أن دوافع الانقلاب داخلية فقط، تتعلق بتزوير الانتخابات، والحالة الاقتصادية التي يعيشها أبناء الغابون، وعند سؤاله عن رؤيته للعلاقات مع فرنسا وأمريكا والصين وغيرها قال إنه سوف يحترم بشكل كامل التزامات الغابون الإقليمية والدولية، كما أن المتظاهرين في الشوارع لم يقولوا «تسقط فرنسا وتحيا روسيا» كما حدث في نيامي بالنيجر، وهو ما أسهم أن تكون ردود الفعل الأوربية والأمريكية أكثر هدوءاً مما جرى في النيجر، كما أن العمال الأجانب سواء من فرنسا أو الصين لم يتعرضوا لأي مضايقات، الأمر الذي جعل الناظر من بعيد يرى في الغابون شيئاً مختلفاً عن النيجر على الرغم من توصيف الاتحاد الإفريقي للأمرين بأنه «انقلاب».

  • تجنب أخطاء الماضي

سمة الانقلابات دائماً أنها سريعة الحركة سواء ضد المعارضين في الداخل أو الرافضين في الخارج، لكن بريس نغيما يتحلى بثقة كبيرة في نجاح المرحلة التي يقودها عبر القيام بخطوات هادئة، تتسم بالثبات والتروي، فالرجل لم يظهر في البداية ضمن الإعلان الأول عن تنحية الرئيس علي بونجو، كما أنه لا ينوي اتخاذ «خطوات سريعة» قد يكون مصيرها الفشل، ولهذا يتأنى في اتخاذ قرارات تتعلق بالمرحلة الانتقالية؛ مثل: «الدستور الجديد» أو إجراء «انتخابات جديدة» تشرعن وجوده وزملائه العسكريين في سدة الحكم، لأنه يعتقد أن التسرع في مثل هذه الخطوات هو تكرار «لأخطاء الماضي».

الواضح أن هناك نظرة مختلفة لما جرى في الغابون منذ 30 أغسطس الماضي، والسبب الرئيسي هو قدرة بريس نغيما مع زملائه في تصدير «صورة نمطية» مختلفة عمّا جرى في دول الجوار من انقلابات، وهو ما يؤكد أن الغابون التي تميزت على الدوام بقدراتها النفطية والاقتصادية، سوف تقدم مشهداً مختلفاً في وسط إفريقيا، يختلف عن المشاهد الأخرى في دول غرب ووسط القارة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5sp5xnf9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"