أهمية الشرق الأوسط في الصراع العالمي

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

طرحت الأحداث التي تلت عملية «طوفان الأقصى» عدداً من الأسئلة الاستراتيجية حول أهمية الشرق الأوسط في الصراعات العالمية، خصوصاً بعد إرسال واشنطن حاملتي الطائرات «جيرالد فورد»، و«يو إس إس روزفلت»، إلى البحر المتوسط، إضافة إلى عدد من المستشارين والقادة العسكريين، ومئات من «قوات النخبة»، بهدف طمأنة إسرائيل من جهة، ومنع توسّع نطاق الحرب من جهة ثانية، وإذا كان هذان السببان كفيلين بفهم الاندفاعة الأمريكية تجاه المنطقة، في إطار الصورة المباشرة للحدث الجاري، إلا أنها، في إطارها الاستراتيجي، تأتي تلبية لضرورات وتحدّيات أبعد بكثير من الهدفين المباشرين.

بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد في الساحة الدولية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، عرفت الاستراتيجية الأمريكية عدداً من التحوّلات في تحديد المخاطر والأهداف والوسائل والتحالفات، ولئن كان إحساسها لأكثر من عقد بغياب المنافسة، جعلها تتبنى استراتيجية الحروب الاستباقية، في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وخاضت تحت هذه الاستراتيجية حربين في أفغانستان والعراق، إلا أنه سرعان ما بدا لها أن تكاليف هذه الاستراتيجية أكبر بكثير من العوائد المتوقعة، وقد تمّ البدء بالتخلي عن هذه الاستراتيجية مع ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما، خصوصاً تجاه الشرق الأوسط، حيث بدأ أوباما بعملية انفكاك تدريجي عن المنطقة، بعد أن كان الشرق الأوسط، وخصوصاً منطقة الخليج، في مركز الاهتمام الأمريكي، عبر تحالفات استراتيجية، بقيت قائمة، على الرغم من كلّ المشكلات والحروب التي عرفتها المنطقة.

مخاطر الانكفاء الأمريكي، وإحداث ترتيبات جديدة للتوازن، بعيداً عن قبول مختلف الأطراف بها، وإبقاء الاهتمام محصوراً بثلاثة ملفّات، هي النووي الإيراني، والإرهاب، واللاجئون، أسهم في زيادة حدّة الاضطرابات في بلدان المنطقة، وفتح شهية بعض الدول الإقليمية على زيادة مساحة نفوذها، على حساب الانكفاء الأمريكي، وهو الأمر الذي بدا مقبولاً إلى حدّ كبير من قبل إدارة أوباما، في ولايته الثانية (2012-2016)، وأخذ الاهتمام الاستراتيجي للأمن القومي الأمريكي ينصبّ على المنافس الصيني، خصوصاً أن الصعود الاقتصادي للصين، واحتلالها المركز الثاني عالمياً في الناتج القومي، أصبح مهدداً لمكانة الولايات المتحدة في سوق العمل الدولي، وأيضاً في القطاعات التكنولوجية التي كانت أشبه ما تكون احتكاراً أمريكياً محضاً.

الفراغ السياسي والأمني الذي أحدثه الانكفاء الأمريكي عن الشرق الأوسط، شكّل عامل جذب لروسيا والصين، اللتين وجدتا فيه فرصة سانحة، للعب دور رئيسي في عمليات التوازن المطلوبة للاستقرار، وهو ما وجدت فيه دول من المنطقة فرصة لتنويع سلة الشركاء، وعدم الاعتماد على اللاعب الأمريكي لوحده.

بالنسبة لروسيا، وفّر لها الدخول إلى سوريا في عام 2015، تأمين موقع استراتيجي في المتوسط، وقاعدة جوية في حميميم في مدينة اللاذقية، وهي بذلك تصبح لاعباً رئيسياً في معادلات المنطقة الأمنية والعسكرية.

في صراع هو صراع القرن بين القطبين الأمريكي والصيني، والذي لا يمكن الفوز فيه بالضربة القاضية، أو بجولة واحدة، بل عبر إحراز كل طرف لنقاط قوة إضافية، تمكنه من إضعاف الخصم، ذهبت الولايات المتحدة إلى حصار الصين وتطويقها في محيطها الجيوسياسي، وإبرام تحالفات أمنية واقتصادية مع جيرانها، في الوقت الذي تستثمر فيه الصين بالتراجع الأمريكي والغربي في الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث هناك فرص واعدة في الساحتين، يمكن عبر هذه الفرص، إضعاف القطب الأمريكي على نحو استراتيجي، والمضي نحو حالة من ثنائية القطبية الجديدة، وهو ما يجعل الشرق الأوسط ساحة تنافس وصراع وحرب بين إمبراطورية أمريكية لا تريد التنازل عن موقعها، وإمبراطورية صاعدة، تريد تأكيد جدارتها العالمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yd52e2cx

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"