غزة.. وقدر الحرب

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

د. ناجى صادق شراب

الحرب امتداد للسياسة، بمعنى أن الحرب بما تحققه من أهداف سياسية، وكما أشار المؤرخ اليوناني ثيوسيديدس فإن الخوف هو غريزة أساسية وقوية وسبب للحروب. وهذا الخوف يرتبط بغريزة الأمن والبقاء. فالحرب ترتبط كما أشار ثيوسيديدس بمعضلة الأمن وبغريزة البقاء. هذه القاعدة تنطبق على علاقة إسرائيل بغزة. فحروب غزة الخمس لم تحقق أهدافها السياسية باستثناء هدف الانقسام الفلسطيني، ما يعني أن يبقى خيار الحرب قائماً بل حتمياً ما دامت أسبابه قائمة.

والسؤال دائماً، لماذا الحرب حتمية في العلاقة وهل هي مسالة وقت؟ وهل من بديل لها؟ وهل قدر غزة أن تعيش في حالة حرب دائمة؟ والأهم هل الحرب هي الخيار العقلاني الذي سيحقق أهداف كل طرف؟ هنا يقفز القول إن الحرب امتداد للسياسة، وإن المعضلة الأمنية والخوف والبقاء سبب للحروب. في ضوء هاتين الفرضيتين الأساسيتين ما هي الأهداف السياسية لكل طرف؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نشير إلى بعض الملاحظات: الأولى أن إسرائيل لن تسمح بأن تتحول هذه البقعة الجغرافية لمصدر تهديد، وتسمح لفصائل المقاومة أن تستمر في تطوير أسلحتها، ولهذا يبقى خيار الحرب الدورية قائماً تحت ذريعة تقليص قوة المقاومة والقضاء عليها، وثانياً من منظور القوة الشاملة لا يمكن مقارنة قوة إسرائيل بقوة المقاومة، فتستطيع إسرائيل أن تقوم بتدمير شامل لغزة كما نرى في الحرب القائمة الآن.

ما هي أهداف إسرائيل السياسية من الحرب الآن؟

الهدف الأول الذي بسببه قامت بالانسحاب الأحادي من غزة هو تعميق الانقسام الفلسطيني، وخصوصاً بين فتح وحماس، والحؤول دون قيام الدولة الفلسطينية وهذا لن يتحقق إلا من خلال الانقسام وتحويله إلى حالة سياسية متجذرة. والهدف الثاني ألا تتحول غزة لمصدر تهديد لأمنها ووجودها. والهدف الآخر أن إسرائيل لا تمانع في بقاء حماس في غزة رغم العلاقة العدائية، في حال قامت بالوظيفة نفسها التي تقوم بها السلطة في الضفة.

ومع الحرب السادسة الحالية التي تختلف عن كل الحروب السابقة فإن إسرائيل ترى أن حماس تجاوزت الخطوط الحمر، وبعملية «طوفان الأفصى» مسّت أحد أسس العقيدة الأمنية لإسرائيل، ومن هنا برزت أهداف إسرائيل كما عبّر عنها نتنياهو ووزير دفاعه وهو القضاء على حماس وإضعاف قدراتها العسكرية واستبدالها بحكم آخر.

ومن جانبها كان لحماس أهدافها وأولها الحفاظ على بقائها ووجودها في غزة كقوة مقاومة مسلحة مع العمل على تفعيل دورها السياسي إقليمياً ودولياً وتقديم نفسها على أنها البديل الفلسطيني الأكثر قوة وتاثيراً، وفك الحصار عن القطاع والخروج من حالة الجمود تجاه حل القضية الفلسطينية، وذلك لن يتحقق إلا من خلال العملية التي قامت بها، وبهذا تحقق شعبية كبيرة، وتؤكد على دورها السياسي وتضمن تثبيت وجودها في غزة.

هذه هي الأهداف لكل من إسرائيل وحماس، ثم نخلص إلى القول بأن الحرب هي الخيار القدري التي وجدت غزة نفسها فيه. فقدرية الحرب تتوقف على أن غزة تقع في قلب العقدة الثيوسيديدسية الأمنية، وأن أي تجاوز لحدود القوة العسكرية لحماس تعني الذهاب للحرب، وهذا ما حدث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yzry8u7r

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"