التجارة الإلكترونية والوقاية من الاحتيال

21:27 مساء
قراءة 4 دقائق

عبدالله محمد الأشرم*
يتّسم عصرنا بتحولات رقمية غير مسبوقة أدت إلى تلاشي الحدود الفاصلة بين الاتصالات والتجارة وتبادل المعلومات، عن عالم مملوء بالفرص الفريدة والتحديات المعقّدة. وشهد القطاع الرقمي ظهور جيل جديد من المحتالين والمخادعين الذين يسعون إلى استغلال الأفراد والشركات باستخدام أساليب ومخططات ماكرة. وشهدت دولة الإمارات التي تشتهر بكونها مركزاً عالمياً للابتكار، ارتفاعاً مقلقاً في الأنشطة الاحتيالية، لا سيما الحالات التي ينتحل فيها المجرمون السيبرانيون صفة جهات مرموقة مثل بريد الإمارات.

ولا يعد تصاعد عمليات الاحتيال هذه مجرّد مسألة مصادفة؛ بل يمثل تحدياً متعدد الأوجه متجذراً بعمق في نسيج العصر الرقمي. ويُجسّد هذا الواقع حقيقة لا يُمكن إنكارها وهي أن أنماط حياتنا التي تعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا الرقمية أفسحت المجال، عن غير قصد، لهؤلاء المحتالين. ويتيح العالم الرقمي لهؤلاء المحتالين إمكانية إخفاء هويتهم، ما يُمكّنهم من تنفيذ مخططاتهم خلف عباءة السرية. ويواكب المحتالون التقدم غير المسبوق للتكنولوجيا، فتغدو أساليبهم أكثر تعقيداً، ما يُصعّب على الأفراد اليقظين التمييز بين أشكال التواصل الحقيقية والاحتيالية.

ومع ذلك، هناك جانب آخر لهذه الرواية يؤكد التحدي الذي نواجهه أمام نمط الحياة السريع الذي يفرضه واقعنا المعاصر. فمثلاً تُعرّضنا القرارات السريعة التي غالباً ما تكون مدفوعة بمتطلّبات نمط حياتنا اليومي، دون قصد للمخاطر التي يستغلها هؤلاء المحتالون. قد يُغشي القلق من احتمالية تفويت استلام شحنات مهمة بصيرتنا ويؤثّر في حُكمنا، ما يدفعنا إلى النقر على روابط مشبوهة دون أن نتوقف لحظة للتأكد من مصداقية الرسائل التي نتلقاها. ولذلك، يُعد التصيّد الاحتيالي أحد أكثر أساليب الخداع الرقمي دهاء، وهو أسلوب يستخدمه المجرمون السيبرانيون لانتحال صفة مؤسسات أو أفراد شرعيين لسرقة بيانات حساسة، مثل بيانات تسجيل الدخول أو المعلومات المالية.

وأبلغ سكان دولة الإمارات عن نوع شائع آخر من عمليات الاحتيال يتضمن رسائل نصية ورسائل بريد إلكتروني خادعة يدّعي مرسلوها زوراً أنها صادرة من إحدى شركاتنا «بريد الإمارات». وتطلب هذه الرسائل عناوين الشحن وتُطالب بالدفع لإكمال عمليات التوصيل. وغالباً ما يتم استهداف بريد الإمارات، الذي يعد جهة رئيسية فاعلة في مجال الخدمات اللوجستية في دولة الإمارات، بشبكة واسعة، ويدير أعداداً كبيرة من الشحنات شهرياً ويخدم ملايين المتعاملين سنوياً. إضافة إلى ذلك، يتمتّع بريد الإمارات بحضور قوي في قطاع التجارة الإلكترونية، كما يُشرف على أسطول كبير من مسؤولي التوصيل والمركبات، ما يؤكد أهميته ونطاق وصوله الواسع في دولة الإمارات. وعليه، تعد المجموعة هدفاً جذاباً للمحتالين الذين يسعون إلى استغلال سمعتها الطيبة.

وفي محاولة لمواجهة التحديات التي فرضها التحوّل الرقمي، اتخذت دولة الإمارات تدابير جوهرية لتعزيز وضع الأمن السيبراني في البلاد في سياق الاقتصاد الرقمي القائم على الذكاء الاصطناعي والاعتماد الكبير على تطبيقات العمل عن بعد. وتشمل هذه التدابير إنشاء مجلس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات والهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، والهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني، إلى جانب تطبيق قوانين ولوائح صارمة للأمن السيبراني، والتي تشمل قانون حماية البيانات الشخصية. وإضافة إلى ذلك، تعمل الدولة على بناء قاعدة راسخة من القوى العاملة الماهرة في مجال الأمن السيبراني من خلال برامج التعليم وإصدار الشهادات، والمشاركة بنشاط في المنتديات الدولية للأمن السيبراني لمواكبة أفضل الممارسات العالمية.

وفي الوقت ذاته، تلتزم مجموعة بريد الإمارات بمكافحة الاحتيال من خلال تنفيذ إجراءات أمنية قوية والعمل بشكل وثيق مع السلطات المعنية لتحديد المسؤولين عن هذه الأنشطة الاحتيالية وتقديمهم للعدالة. وإضافة إلى ذلك، تم توقيع عدد من الشراكات الدولية لملاحقة هؤلاء المجرمين، خاصة عندما ينشطون خارج حدود دولة الإمارات. ونؤكد في مجموعة بريد الإمارات أهمية أخذ الحيطة والحذر عند تلقي رسائل احتيالية تدعي أنها تمثل مجموعة بريد الإمارات أو أي من الشركات الفرعية التابعة لها. من الضروري إدراك أن المجموعة تمضي في التحويل تدريجياً من استخدام الرسائل القصيرة (SMS)، إلى استخدام حسابها الموثق على «واتس آب» للتواصل مع المتعاملين. أما بالنسبة للمدفوعات ولضمان إجراء معاملات آمنة، نوفّر بوابة دفع موثوقة ومتاحة حصرياً عبر مواقعنا الإلكترونية وتطبيقاتنا الرسمية. ويتجلى التزامنا بالأمن من خلال أنظمة الأمان المتقدمة، والمبادرات المستمرة لتثقيف الجمهور وتشجيع ممارسات الدفع الآمنة، واستجابتنا السريعة لاستفسارات المتعاملين فيما يتعلق بمصداقية الاتصالات.

ويمكن أن تكون عواقب الوقوع ضحية لعمليات الاحتيال هذه مدمرة للغاية. وإضافة إلى الخسائر المالية، قد يتعرض الأفراد لسرقة الهوية، ما يؤدي إلى سلسلة من التعقيدات القانونية والشخصية. وعلى صعيد الشركات، يُمكن لهجوم التصيد الاحتيالي الناجح أن يعطل عملياتها، ويشوه سمعتها، ويعرض بيانات المتعاملين الحساسة للخطر، ما قد يؤدي إلى عواقب قانونية وفقدان الثقة.

وعلاوة على ذلك، فإن التفاعل المعقد بين الأنظمة المالية العالمية وسهولة إجراء المعاملات عبر الحدود قد زود المحتالين بقوة إضافية، ما سمح لهم بالعمل خارج نطاق الولاية القضائية لدولة الإمارات. ويؤكد هذا الواقع الواضح أهمية التعاون القوي، ليس فقط بين شركات البريد وشركات التوصيل مثل بريد الإمارات، لكن أيضاً على صعيد وطني ودولي أوسع، لتوحيد الجهود في مواجهة هذه الأنشطة الضارة ومكافحتها.

ولمكافحة هذا المد العارم من الاحتيال الرقمي، يتوجّب علينا تسخير أقوى أدواتنا ألا وهي المعرفة والوعي. ويجب علينا الاستفادة من هذه الأصول لتثقيف السكان وتعزيز دفاعاتنا الجماعية ضد عمليات الاحتيال هذه. ومن خلال تشكيل صفٍ موحد تتضافر فيه جهود الأفراد والشركات والسلطات التنظيمية، يمكننا تعزيز تدابيرنا الأمنية، وبالتالي خلق بيئة رقمية أكثر أمناً. ويمكننا التعاون لإحباط المحاولات الجريئة للمحتالين، لحماية وضمان جودة حياة جميع المقيمين في دولة الإمارات والحفاظ على سمعة الدولة مركزاً آمناً وموثوقاً للأعمال والاتصالات.

وتؤكّد مجموعة بريد الإمارات التزامها الراسخ بضمان سلامة جميع عملائها والحفاظ على ثقتهم على امتداد خدماتها. وتدأب الشركة على مكافحة عمليات الاحتيال الماكرة عبر الإنترنت، وتثقيف الجمهور حول ضرورة أخذ الحيطة والحذر، وأهمية الإبلاغ الفوري عن أي أنشطة مشبوهة. ويأتي ذلك في إطار مجهود جماعي لحماية مجتمعنا من هذه المخططات، وهي مسؤولية نأخذها على محمل الجد. ومن الضروري لنا جميعاً أن نتعاون لحماية العالم الرقمي والحفاظ على سلامة دولة الإمارات.

*الرئيس التنفيذي لمجموعة بريد الإمارات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9wburt

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لمجموعة بريد الإمارات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"