إصلاح صندوق النقد والبنك الدوليين

21:34 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد*

عرضنا في مقال سابق خطة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيادة الطاقة التمويلية لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من خلال تعهد واشنطن بتخصيص 25 مليار دولار للبنك (منها 2.25 كدفعة أولى)، على أمل رفع ميزانية الخطة إلى 100 مليار دولار بمساهمة الأوروبيين والآخرين الأعضاء في البنك. إضافة إلى مطالبة الكونجرس بتخصيص 21 مليار دولار أخرى لصندوق النقد الدولي لتعزيز المرفق التمويلي التفضيلي للصندوق المسمى (Preferred Creditor Status – PCS)، كي يتمكن من زيادة إقراضه للبلدان منخفضة الدخل. وهو مرفق مخصص أصلاً لتمويل الديون السيادية وأزمات ميزان المدفوعات بأسعار فائدة أقل من أسعار السوق. قبل ذلك، وتحديداً يوم الأربعاء 29 مارس/آذار 2023، كانت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين قد رفضت فكرة زيادة رأس مال البنك الدولي (في المدى القريب على الأقل)، وذلك في معرض إحاطتها لمشرعي الكونجرس بشأن حظوظ فوز مرشح أمريكا لرئاسة البنك، الأمريكي من أصل هندي أجاي بانجا (فاز بالتزكية لأنه لا أحد ترشح لمنافسته). قالت الوزيرة الأمريكية، في تلك الإحاطة: «كل ما نبغيه هو إجراء إصلاحات في البنك تؤدي إلى توسيع نطاق الإقراض بشكل كبير لمكافحة تغير المناخ والأزمات العالمية الأخرى، من خلال استخدام واسع النطاق لموارد البنك الحالية، وتبني سياسات تمويل مبتكرة وتعبئة التمويل الخاص».

يبلغ رأس مال البنك الدولي الذي تشارك فيه 189 دولة أعضاء في البنك، 268.9 دولار أمريكي، هو عبارة عن رأس المال المدفوع + رأس المال المرخص به القابل للاستدعاء)، تضطلع أمريكا بحصة الأسد فيه بنسبة 15.58%، تليها اليابان بنسبة 7.11%، ثم الصين بنسبة 5.94%. وقد طرح البنك مقترح زيادة رأسماله عندما وضع ما أسماه خريطة طريق تطبيقية لما كانت طرحته يلين العام الماضي لتوسيع نشاط البنك إلى ما هو أبعد من قروض مشاريع التنمية الخاصة بكل بلد لمعالجة الأزمات العالمية. لكن إدارة بايدن لا تريد زيادة رأس مال البنك؛ لأن ذلك يعني مساهمة أمريكا بمليارات الدولارات كي تحافظ على حصتها في البنك، وهذا ما لا يوافق عليه الجمهوريون في مجلس النواب، الذين يصرون على خفض الإنفاق كلما طالب الديمقراطيون برفع سقف الدين الفيدرالي. كان أعضاء البنك قد رفعوا رأس مال البنك بمقدار 13 مليار دولار في عام 2018. لكن طاقة البنك التمويلية تأثرت بسبب جائحة «كورونا» والآثار غير المباشرة الناجمة عن الحرب الروسية الأطلسية على الأراضي الأوكرانية. ولا يستطيع البنك مقابلة الضغوطات الأمريكية، خصوصاً من جانب وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، كي يزيد البنك من مساهمته في الأجندة الأمريكية الأوروبية الخاصة بالمناخ.

في صندوق النقد الدولي أيضاً، لا تتجاوز حصة الصين في رأسماله 30.5 مليار من حقوق السحب الخاصة، أي بنسبة تصويت 6.09% (اعتباراً من عام 2017). وترفض الولايات المتحدة فكرة زيادة حصة الصين في رأس مال الصندوق استجابة لإلحاحات بكين بأن قوتها التصويتية في الصندوق لا تعكس النفوذ الاقتصادي الذي بنته على مدى العقدين الماضيين. وفي محاولة لتجنب المطالبة المتزايدة من الصين وغيرها من البلدان الناشئة بالحصول على حصة أكبر في صندوق النقد الدولي، اقترحت الولايات المتحدة زيادة «متناسبة» في حصص صندوق النقد الدولي. وهذا يعني أن الدول الأعضاء يجب أن تقدم مساهمات أعلى بما يتناسب مع حصصها الحالية دون توقع تغيير في حصص التصويت الخاصة بها، والتي تم تعديلها آخر مرة في عام 2010. رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا التي عبرت عن دعمها لإصلاحات الصندوق، بما يشمل ذلك منح الصين المزيد من قوة التصويت داخل الصندوق، حذرت في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز» من «الدمار» إذا ظلت المؤسسة دون موارد مالية كافية لمساعدة البلدان المتعثرة، داعية صندوق النقد الدولي إلى تمثيل التغيرات في الاقتصاد العالمي على مدى العقد الماضي بشكل أفضل، والتي تشمل صعود الصين. وعادة يجري مجلس محافظي صندوق النقد الدولي مراجعة لحصص الدول الأعضاء في رأسمال الصندوق كل خمس سنوات على الأقل. وكانت آخر مرة أُجريت فيها التغييرات في عام 2010، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في عام 2016. ومنذ ذلك الحين، سجل اقتصاد الصين نمواً كبيراً تفوق على الاقتصاد الأمريكي بمقياس القوة الشرائية لإجمالي الناتج المحلي. صحيح أن الصين ما زالت تصرّ على استمرار وضع نفسها في خانة الدول النامية، على أساس أن حصة الفرد الصيني في الناتج المحلي ما زالت تشكل أقل من سدس حصة الفرد الأمريكي في إجمالي الناتج المحلي (10000 دولار مقابل 65000 دولار)، إلا أن الصين تُعتبر من أكبر الداعمين مالياً للبنك الدولي. وأمام استعصاء مسألة زيادة حصتها التصويتية في المؤسستين الماليتين الدوليتين، فقد تفقد حماسها لهما لصالح بنك التنمية الجديد «New Development Bank» التابع لتكتل «بريكس بلس»، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية «AIIB» الذي أنشأته في عام 2016.

*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zzyeu9m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"