أخطر مكان في العالم

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لا تقف خطورة الحروب عند نزعها من الحاضر كل صور العيش الإنساني المستقر، سواء بما تنهيه من حيوات بشر أو تقضي عليه من مقدرات الاستقرار والاستبشار بالآتي؛ ففي خضم هذه المواجهات الدموية أيضاً تتبدد ملامح المستقبل وتتشوه سبله، فتطول المعاناة.

ذاكرة الحروب، خاصة إذا كانت بالقدر الذي نشهده من الوحشية وتخطي كل القوانين، متجاوزة للأجيال، لا تثقبها القذائف، إنما تبقيها مشتعلة عقوداً. وفي حالات، تصبح هذه الذاكرة نفسها مبتدأ لنسخ أخرى من الحروب، فنكون إزاء ميراث للمأساة تتناقله الأجيال ويحتاج إيقافه إلى معجزة.

من هنا، فإن وصف قطاع غزة بالمكان الأخطر في العالم بالنسبة للأطفال، لا يعكس فقط حاضراً تضيع في تفاصيله بوارق الأمل وأبسط مفردات الحياة، إنما يعني أيضاً أننا أجيال يتربى الناجي منها من الموت على اليأس بكل شيء، وهو طريق إلى مستقبل لا يُرجى منه خير.

هذا الوصف صاغته كاثرين راسل، مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أمام مجلس الأمن قبل أيام، وهي تحاول، كما فعل بلا جدوى نظراء لها في منظمات دولية معنية بالإنسان، لفت النظر إلى الثمن الباهظ الذي يدفعه أطفال غزة من الحرب الدائرة عليها.

طبعاً كل الفئات في القطاع تشترك في ضريبة المأساة الجارية، لكن ما قدمه الأطفال تحديداً، بداية من الخدّج، لا يزيد مساحات الألم فحسب، بل يضرب المستقبل في الصميم وينسف أي جهد لإقرار التعايش أو التجاور.

إذا كان الكبار اختبروا أن يعيشوا حياة مهددة محرومة، فإن الوتيرة اليومية لخسارة الصغار تستدعي القلق، لكن أحداً لا يتوقف عند الأرقام المفزعة، وأولها فقدان نحو 120 طفلاً كل يوم لدرجة تقرّب الضحايا من الأطفال من تجاوز أربعين في المئة من مجموع القتلى في غزة.

يضاف إلى ذلك المفقودون من الأطفال، ومن ينتظرون دورهم في الموت، إما تحت الركام، أو بفعل الجوع والعطش ونقص الرعاية الصحية، بل إن الأجنّة لا يمكن استثناؤهم من الخطر المهدد للحياة في ظل ما تلاقيه الحوامل، وفق تحذيرات أممية أيضاً.

وإذا قُدر لنحو 5500 حامل الوضع بسلام خلال الشهر المقبل في قطاع غزة، فمواليدهن سيلتحقون بقائمة المهددين بفقدان الحياة وهم لايزالون يتلمسون أبسط مفرداتها وسط فزع لا يتوقف.

إن آثار ذلك كله ستدوم طويلاً، وإذا بقي الدمار والقتل على وتيرتهما المجنونة الحاصدة للحاضر، فإن تبعات ذلك سترافق المستقبل، ولن يسلم أحد من محاكمات أبنائه القاسية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4cmxhy99

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"