الإمارات وتحديات تغير المناخ

22:15 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*
رغم التحديات والمصاعب وسط سحابة ضبابية من الاستقطاب بين الدول الكبرى، وتوقعات تسودها حالة اللايقين بشأن الاقتصاد العالمي، توترات ومشاكل تفاقمت نتيجة للحرب الأوكرانية- الروسية، وأثرت على استقرار سلسلة التوريدات لسلسلة التطوير والإنتاج الصناعي والاقتصادي خلقت أوضاعاً قاسية على الدول النامية. الا أن العالم ينظر الى مؤتمر «كوب 28» الذي تستضيفه دولة الإمارات بمزيج من الطموح والامل ثقة في الدولة المستضيفة وقدرتها في خلق زخم كبير يحمل مؤشرات إيجابية تدفع بوسائل الطاقة البديلة نظراً لنموذجها التنموي الفريد الذي أبهر العالم بمزيج مستدام للطاقة وأصبحت قصة نجاحها في نظرتها إلى العمل المناخي كركيزةٍ أساسية ضمن خططها التنموية نموذجاً يحتذى علاوة على أنها تستضيف مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، وهي أول دولة في المنطقة وقَّعت وصدّقت على اتفاق باريس، وقدَّمت مساهماتها المحددة وطنياً، ووضعت خريطة طريق لتحقيق الحياد المناخي. ومن ثم فهي جديرة بقيادة الحراك العالمي للتصدي لظاهرة تغير المناخ.

وفي نفس الوقت تدرك الامارات أن استضافتها «كوب 28» تأتي في لحظة مفصلية في العمل المناخي العالمي، مع تزايد مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري التى تلحق ضرراً جسيماً بكوكبنا يوماً بعد يوم وتعيث فى الأرض فساداً وتعصف بدولنا، كبيرها وصغيرها وسواء كانوا من بين الأغنياء أو الفقراء. وتتفاجأ الشعوب بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات الغزيرة والاحتباس الحرارى والتصحر وارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل السواحل وحرائق الغابات المستمرة، ما يؤدى إلى نزوح الملايين وقتل الآلاف وتكبد الدول وشعوبها خسائر مالية ضخمة. وهي تدرك جيداً أن مكافحة التغير المناخي تعتبر تحدياً عالمياً يتطلب جهوداً مشتركة من قبل المجتمع الدولي بأسره، لتحقيق تقدم فعال في هذا الصدد، وأهمية تطبيق نهج شامل وعملي يؤدي إلى تسريع مسارات مواجهة تداعيات تغيُّر المناخ وتحقيق تحوُّل جذري في آليات العمل المناخي عبر تحديد الهدف الرئيسي لكوب 28 – تحت القيادة الإماراتية – وهو توحيد الجهود العالمية لتقليل انبعاثات الكربون، وتحديد فرص التعاون المتاحة لإيجاد الحلول للتحديات المناخية. والعمل للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بحدود درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة الحديثة، والسعي إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية حتى لا يتعرض سكان الأرض لدرجات حرارة ورطوبة تشكل خطراً عليهم، والخشية من أنه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فإن متوسط درجة الحرارة العالمية سيصل إلى 2.8 أو 3 درجات مئوية فى السنوات القليلة المقبلة. ومن ثم أصبح تحقيق هدف ال1.5 درجة مئوية هدفاً طموحاً يتطلب العمل المشترك الفوري.

كما تعمل دولة الإمارات على أن يساعد «كوب 28» الدول المتأثرة بالتغير المناخي في زيادة قدرتها التكيفية، وتعزيز التمويل لتنفيذ إجراءات مكافحة التغير المناخي. وقضية التمويل قضية محورية لأن دعم المشاريع المتعلقة بالمناخ على النطاق اللازم في جميع أنحاء العالم سيتطلب كميات هائلة من رأس المال. إذ تفيد تقديرات وكالة الطاقة الدولية بأن عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة وحدها ستكلف تريليونات الدولارات سنويًا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد تعثرت المفاوضات لسنوات طويلة في الاتفاق على من يدفع ثمن عواقب تغير المناخ. ولطالما سعت الدول النامية لتحميل الدول المتقدمة، التي تسببت في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تعويضها عن الخسائر والأضرار. ولطالما عارضت الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى تحمل الأعباء المالية للخسائر الناجمة عن تغير المناخ. وعلى الرغم من نجاح «كوب 27» في إنشاء صندوق لتعويض الدول النامية لما تتكبد من خسائر وأضرار، فإن هذا الصندوق جاءت معالمه مبهمة وخالياً من أي موارد مالية ريثما تتفق الدول في المستقبل على حجم التمويل وتحديد الدول المانحة المشاركة. فعلى الرغم من دفع الدول الأوروبية والولايات المتحدة لقبول إنشاء هذا الصندوق وإن جاء ذلك على مضض فإن دولاً مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا، التي أصبحت اليوم من بين أكبر الدول المسببة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ترفض بشكل قاطع المساهمة في تمويل الصندوق، لما تقوم به من تصنيف نفسها ضمن الدول النامية. كما ترى هذه الدول وتنضم إليها روسيا أن التغير المناخي ناجم عن الثورة الصناعية التي لم تشارك فيها، وعلى الدول المتقدمة اليوم أن تتحمل العبء الكامل لها.

وتحاول الدول النامية الدفع بمبدأ المسؤولية المشتركة، ولكن المتباينة، الذي تم الاتفاق عليه سابقًا في اتفاقية باريس، وهو أمر أساسي لقضية المناخ ويأتي من منطلق أن الدول النامية لا ناقة لها ولا جمل في ما يعانيه كوكبنا اليوم من ظاهرة الاحتباس الحراري وإن كانت الأكثر تضرراً من آثارها. ولكن كما لاحظت تحليلات فإن هذا المبدأ أصبح أكثر منه شعاراً الذي نتحلى به في بياناتنا بعيداً كل البُعد عن التطبيق الفعلي.

ولأن دولة الإمارات تتعامل بمسؤولية وإدراك كامل لأهمية استضافتها لمؤتمر الأطراف «COP28» في ظل قناعتها أنه برغم التحديات والتهديدات الواضحة الناجمة عن تغيُّر المناخ، فهناك فوائد اقتصادية كبيرة للاستثمار في الطاقة النظيفة والعمل المناخي فهي تهدف إلى أن يكون «كوب 28» مؤتمراً للتعاون وتضافر الجهود ومد جسور الحوار بين دول الشمال والجنوب، واحتواء القطاعين الحكومي والخاص، والمجتمع العلمي، والمجتمع المدني، والنساء، والشباب. وإلى أن يكون مؤتمراً عملياً يسهم في اتخاذ خطوات فعلية، ويرتقي بالطموحات، وينتقل بنا من وضع الأهداف إلى تنفيذها بشأن موضوعات التخفيف، والتكيّف، والتمويل، والخسائر والأضرار ويحقق تحولاً جذرياً في آلية العمل المناخي. كما تعمل الإمارات عبر قيادتها الحراك العالمي للتصدي لظاهرة تغير المناخ لتحفيز الدول المشاركة لتحديد خططها الوطنية للتخفيضات المتعلقة بانبعاثات الغازات الدفيئة، والتقدم بتقارير منتظمة عن التقدم المحرز.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kesmcc38

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"