الإمارات تزرع وتحصد في آن

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

البناء في الماضي والإبهار في الحاضر يدفعان إلى التخطيط للمستقبل، فالأهم من تحقيق التفوق هو الحفاظ عليه. دول كثيرة حلقت ولكنها سرعان ما سقطت في وحول الانبهار بالذات وأغفلت المستقبل ليأتيها ملتهماً كل المكتسبات. الإمارات دولة تعي وتدرك أن النجاح لا يدوم سوى لأصحاب الإرادة الذين لا يعرفون المستحيل، كلما صعدت درجة على سلم المجد وضعت نصب عينيها صعود باقي درجاته، ولذا فإن مسيرتها لا تتضمن مواسم للزراعة وأخرى للحصاد، كل أيامها زراعة وحصاد في آن واحد، تجني الثمار وتحتفي بالإنجازات وتضع الخطط لإنجازات جديدة.

منذ الثلاثين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والإمارات تعيش أزهى مواسم الحصاد والزراعة، تحصد ثمار ما بناه الآباء المؤسسون وما استكمله الأبناء الطامحون، تكرم البناة الأوائل وتحتفي بذكرى من قدموا حياتهم فداءً للوطن وعينها على المستقبل، وها هي اليوم تزرع لمستقبل الإنسانية وتحاول دفع المخاطر التي تهدد كوكب الأرض بسبب التغيرات المناخية المتلاحقة من خلال استضافتها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ «كوب28».

وفي آخر أيام الشهر الماضي احتفت بيوم الشهيد تكريماً لشهداء الوطن الذين بذلوا الغالي والنفيس وضحوا بالروح لأجل أن يظل الوطن آمناً مستقراً، ولأجل أن يظل المواطن مرفوع الهامة معتداً بوطنه فخوراً بهويته، وفي ذات اليوم استقبلت العالم على أرضها لتزرع لمستقبل أفضل، 70 ألف ضيف من 198 دولة استضافتهم في إكسبو دبي، ليبحثوا عن سبل إنقاذ الأرض من عواقب الاحتباس الحراري، والذي أفرز كوارث وأزمات لاحقت الإنسان في أربع جهات الأرض، زلازل وبراكين وعواصف وأعاصير وحرائق وفيضانات وموجات برد وحر وجفاف وتصحر وذوبان جليدي وارتفاع في مناسيب مياه البحار.

واليوم تضع الإمارات والعالم روشتة علاج الكوكب، تشخص الداء وتحدد الدواء. نقاش لأجل الأجيال المقبلة على أرض إماراتية. تزامن التقاء العالم في دبي مع احتفالات الدولة باليوم الوطني الثاني والخمسين، لم يزاحم الحدث العالمي المناسبة الأغلى على قلب كل إماراتي، بل كان ذلك مناسبة ليشارك العالم وبعض من قادته المحبين للإمارات والمعتزين بمسيرتها الإماراتيين احتفالاتهم باليوم الذي تشكلت فيه الدولة لتنطلق بسرعة غير مسبوقة لاحتلال مكانها ومكانتها في الصفوف الأولى عالمياً، ومن المؤكد أنها كانت فرصة لأن يتعرف ضيوف «كوب 28» إلى تاريخ الإمارات وتراثها ويعرفوا أن حلم الإمارات تحقق بفضل حكمة المؤسسين وإرادة قادتها اليوم الذين ينظرون دائماً للمستقبل وهم يحملون فوق أعناقهم قيم الماضي والعرفان بفضل رجاله الذين وضعوا لبنات التأسيس وصاغوا دستور التوحد وزرعوا الانتماء والوفاء في أجيال متعاقبة.

يكثر الكلام وتتزاحم الوعود خلال انعقاد المؤتمر وبعد انتهائه يلتزم الكثيرون الصمت وينسى بعض الواعدين ماعدوا به، ولكن عندما يكون التنظيم إماراتياً فلا بد من وضع بصمة دولة الإنجاز عليه، ولذا تأتي هذه الدورة مختلفة عن سابقاتها، ففي أول أيام المؤتمر تم اعتماد صندوق «معالجة الخسائر والأضرار» لتمويل خطط الدول الأكثر تضرراً من أزمة المناخ، وفي يوم الافتتاح الرئاسي، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، وتعهدت حكومات وشركات ومستثمرون ومؤسسات خيرية ب 57 مليار دولار خلال الأيام الأربعة الأولى، بعد الاتفاق على تفعيل صندوق عالمي يختص بالمناخ.

«كوب28» دورة مختلفة لم تقتصر على مناقشة القضايا التقليدية للتغير المناخي، ولكنها تجاوزتها إلى أمور لم يتم طرحها من قبل، وتمت مناقشة علاقة المناخ بالصحة والغذاء والتعافي والسلام والتسامح، إنها دورة جامعة مانعة على أرض الأمل.

mahmoudhassouna2020@gmail

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39wmdnrz

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"