الشلل الأممي

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

في ظل اندلاع نزاعات عالمية كبرى، وتغوّل دول على أخرى، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لا بد من التوصل إلى قناعة بأن الأمم المتحدة التي تأسست عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، قد أصاب الشلل أركانها، وأعجزتها شيخوختها عن القيام بمهامها المنوطة بها، وأصبحت أوضاعها تشبه إلى حد كبير، ما مرت به عصبة الأمم التي تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى، وفشلت في منع حرب عالمية طاحنة بعد عشرين عاماً من إنشائها.

عند النظر إلى الواقع الذي ظهرت فيه الأمم المتحدة، نتيجة حرب عالمية أكلت الأخضر واليابس، للمحافظة على السلم والأمن العالميين، في حين أن من تصدرها هم الذين خرجوا منتصرين من الحرب؛ لذا فمن الطبيعي أن يهيمن وجودهم على هذه المنظمة، التي أصبحت تضم الآن نحو 193 دولة؛ إذ إن مجلس الأمن الذي يملك فعلياً، قرارات الحل والربط، يضم خمس دول دائمة العضوية؛ بينما لا يوجد أي تمثيل دائم لإفريقيا التي نهشها الاستعمار، أو أمريكا اللاتينية التي جثمت هيمنة الولايات المتحدة على صدرها، أو حتى ألمانيا واليابان.

ومع مرور نحو 80 عاماً على توقيع الميثاق الأممي، فإن الوقائع الآن قد تبدلت، لكن من دون أن تتبدل المنظمة ذاتها، أو تتسم بالمرونة؛ بحيث تنسجم مع الظروف الدولية المتغيرة؛ لذا فإنها كُبلت بمجموعة من المصالح، وعجزت عن تنفيذ الهدف الذي أُنشئت لأجله، خصوصاً مع نشوب عشرات الحروب،من دون أن يكون لها دور فاعل في حلها، وبعض هذه الصراعات قائمة الآن، كما يحدث في غزة أو أوكرانيا.

«الفيتو» الذي تملكه الدول الخمس دائمة العضوية، أصبح قراراً يحمل في طياته الموت، ويتم استخدامه وفق المصالح فقط، لا لأجل تعزيز السلام وإنهاء الانتهاكات، كما حدث مع «الفيتو» الأمريكي الأخير الذي أفشل وقف الحرب على غزة.

الأمم المتحدة تحتاج إلى إصلاح حقيقي، في ظل عالم يتجه نحو الانفجار، وفشلها قد يكون سبباً لفقد مصداقيتها في حال توسعت الصراعات؛ بحيث يصبح وجودها عبئاً لا حاجة إليه، فوضع حدّ للهيمنة عليها هو الطريق الأمثل لتعزيز حضورها، والقيام بدورها.

هذا الإصلاح قد يكون صعباً، مع تمسك الدول الكبرى بسيطرتها، خصوصاً أمريكا ومن سار في ركابها، لكن الضغوط العالمية قد تنجح في تبديل الواقع، فلا بد لدول العالم من وقفة لوضع المنظمة الأممية على سكّتها الصحيحة، حتى لا تكون غطاء لاستخدامها كأداة تسلط على رقاب الدول عند الطلب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yr53pa97

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"