خسر المراهنون وربحت مصر

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

في أوقات الشدائد لا تظهر فقط معادن الأفراد؛ بل تظهر أيضاً معادن الشعوب، فالشعوب عند الأزمات إما أن تتوحد حتى تكون حائط الصد الذي يساعد دولها على تجاوزها، وإما أن تنفرط وتتحول إلى شيع وجماعات يحاول كل منها استغلال هذه الأزمة أو تلك لتحقيق مصالح ضيقة بما يزعزع استقرار الدول ويجعلها صيداً سهلاً للطامعين.

المصريون أثبتوا مجدداً أنهم شعب توحده الأزمات، ولعل هذا ما يفسر الإقبال غير المسبوق على الانتخابات الرئاسية التي أجريت الأسبوع الماضي ومن المقرر إعلان نتيجتها غداً. هذه ليست أول مرة يتوحد فيها المصريون لإنقاذ بلادهم من خطر محدق بها، فبعد أن انتفضوا في 25 يناير 2011 مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وبعد أن تولت جماعة «الإخوان» الإرهابية الحكم، أدرك الناس أن هذه الجماعة تعمل على طمس هويتهم وتشويه تاريخهم والنيل من حضارتهم، وأنهم يحاولون اختطاف الدولة، فتوحدوا وتمردوا على الحكم «الإخواني» وثاروا في 30 يونيو 2013 حتى استجابت القوات المسلحة للإرادة الشعبية وعزلت الرئيس واستعادت الدولة.

الأسبوع الماضي تكرر المشهد، لكن بمعطيات وملامح مختلفة، الخطر اليوم هو خطر خارجي طامع في الأرض ومهدد للأمن القومي المصري وساعٍ لنشر الفوضى في المنطقة، خطر العدوان الإسرائيلي على غزة والذي تجاوز في مطامعه ما نراه من قتل جماعي وتدمير لكل ملامح الحياة بهدف تهجير أهلها إلى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية تمهيداً لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.

وقبل غزة كان خطر الإرهاب في سيناء، وهو ما أيقظ المصريين ودفعهم لتجاوز أزماتهم الصغيرة المتمثلة في الغلاء وارتفاع سعر الدولار والخلاف على الأولويات، وجاءت الانتخابات الرئاسية لتكون فرصتهم لإبلاغ رسالة لمن يعنيه الأمر، أن الشعب المصري يعي أهمية الاستحقاق الرئاسي، ولذا كان الإقبال غير المسبوق للتصويت على مدار ثلاثة أيام، في تغيير الصورة النمطية لأي انتخابات من مناسبة للتصارع والاقتتال بين مؤيدي وأتباع المرشحين إلى مناسبة للالتفاف حول دولتهم وسيادتها ومستقبلها. فمصر فوق مصالح المرشحين وأمنها وأمانها فوق صغائر المعارك الانتخابية التقليدية.

الغلاء لا بد له من نهاية، والأزمات مهما تعاظمت تظل صغيرة أمام مهددات السيادة والأمن القومي، ولذا فقد أصم الناخبون آذانهم لكل دعاة المقاطعة، وحولوا كلام المتربصين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مادة للسخرية، وردوا بشكل عملي بالإقبال على اللجان الانتخابية للتصويت لمن يرونه أهلاً لتحمل المسؤولية وحماية الأرض والتصدي للساعين إلى النيل من استقرارها خلال 6 سنوات قادمة.

ولعل من أسباب الإقبال على انتخابات يجمع الكثيرون على أن نتيجتها معروفة سلفاً هي المواقف الشفافة التي اتخذتها مصر من أحداث غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي ومروراً بكل تطوراتها وفصولها الدامية، فمصر شجبت ودانت سياسة العقاب الجماعي الذي تنتهجه إسرائيل الذي أشعل حريقاً يهدد استقرار المنطقة وسيفرز في المستقبل القريب والبعيد عنفاً وإرهاباً مضاعفاً سيدفع ثمنه الجميع، كما أن الإنجازات التي تحققت على أرضها خلال السنوات العشر الماضية لا ينكرها إلا حاقد.

ليس مهماً من سيتم إعلان فوزه غداً، المهم أن مصر ربحت منذ أول أيام الانتخابات، وقالت كلمتها، وأكدت خسارة المراهنين على المقاطعة، وأن الدولة التي سبقت التاريخ والتي لم تسمح بتغيير حدودها على مدار آلاف السنوات ستظل عصية على من يحاولون النيل من استقرارها، وأن شعبها سيظل ملتفاً حول قيادتها المنتخبة تحت إشراف قضائي وفي ظل مراقبة 14 منظمة دولية، و62 منظمة مجتمع مدني محلية، حتى تتجاوز معه أزماتها المعيشية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zxsszvc

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"