المتطرفون والحرب على غزة

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان
التطرُّف سِمة غير محمودة أياً كان مصدرها، البشر أو الطبيعة أو المخلوقات الأخرى، ذلك أنه تجاوُز للحدود، ومبعث للخراب وللفوضى، بينما الواقعية والاعتدال يشكِّلان نقيضاً سليماً له، وهما على الدوام دافع للنهضة والعمار والتقدم. والتطرف أو «الغلو» ظاهرة موجودة، خصوصاً لدى بعض الناس، وفي الميادين المختلفة، فهناك متطرفون سياسيون، ومتطرفون دينيون، ومفكرون متطرفون، وغير ذلك.

والأشخاص المتطرفون هم المفرطون في التعامل مع الظواهر البشرية، ويفتقدون للمرونة، ولا يقبلون الآخر وآراءه، وغالباً ما يكون لديهم سلوك عدواني، فيه تجاوز للعقلانية في التصرُّف، ويبعث على العنف، وينعكس سلباً على المجتمعات، حيث تؤدي أفعال وأقوال المتطرفين إلى خراب يتحمله عامة من الناس.

عانت البشرية جمعاء عبر التاريخ أعمال المتطرفين، وهؤلاء انضووا في مجموعات منظمة، كان لها تأثيرها أحياناً، لاسيما في بعض البلدان الأوروبية، ونجحت هذه المجموعات في إنتاج مقاربات غريبة استطاعت مع الوقت إدخالها إلى أذهان جموع من الأشخاص، وهؤلاء بدأوا يتعاطون مع الفكرة كأنها حقيقة راسخة، بينما هي بالواقع أفكار واهية لا تستند إلى أساسٍ صحيح. وهذه الظواهر ليست جديدة، بل قديمة العهد، وذكرها القرآن الكريم في سورة المائدة «وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه».

ولعلَّ العدوان الذي يستهدف الفلسطينيين – لاسيما في قطاع غزة – والذي تجاوز في بشاعته كل ما سبق من ويلات عاشتها البشرية، يسلِّط الضوء على خطورة أفعال غلاة التطرف، خصوصاً في إسرائيل، وهؤلاء يعتقدون أن أفعالهم الشنيعة تستند إلى ميثولوجيا دينية أجازت لهم التعامل مع أعدائهم بمثل هذه الوحشية، وفيها تحريف واضح للكتب السماوية المقدّسة، بما في ذلك التوراة التي أُنزلت على النبي موسى عليه السلام.

العدوان على غزة والذي لم يراعِ فيه الاحتلال الإسرائيلي القانون الدولي الإنساني ولا قواعد الحرب، واستهدفت قواته الأطفال والنساء والشيوخ ودمرت المستشفيات ومقار الأمم المتحدة التي تحتضن اللاجئين، وقصفت دور العبادة والمدارس والجامعات ومنازل الآمنين، حتى أن وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو طالب بضرب قطاع غزة الذي يقطنه ما يقارب 2,3 مليون نسمة بالقنبلة النووية. وهذا اعتراف من وزير إسرائيلي بامتلاك بلاده السلاح النووي.

أما وزير الدفاع يوآف غالانت فقال: «سندمرهم» ولا حل للحرب برأيه إلا بعد طرد سكان غزة إلى خارج القطاع، كما هدد بتدمير مدينة بيروت على أهلها، في الوقت الذي يأمر قواته باستخدام أسلحة مُحرمة دولياً، وضد أهداف مدنية واضحة، وهذا خرق واضح للقانون الإنساني، واعتراف بمسؤوليته عن جرائم ضد الإنسانية.

أما المتطرف الآخر من قيادة حكومة الاحتلال، فهو وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، المشهور بتشجيعه على إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، وهو أشاد بقيام جنود الاحتلال بتأدية شعائر دينية يهودية داخل مسجد في جنين الفلسطينية، وهو عمل استفزازي خطير يسيء لمشاعر أكثر من ملياري مسلم في العالم.

والحديث عن التطرف يطول، ولا مجال لذكر كل جوانبه، بما في ذلك بعض الأعمال التي تقوم بها حركات منظمة أو جماعات إرهابية يستخدم أفرادها الإسلام الحنيف زوراً للتغطية على أعمالهم الشنيعة. إن أعمال التطرف – لاسيما في المجالات السياسية والعسكرية – مُدمرة للآخرين وتضرُّ بمستقبل البشرية جمعاء، ولا بد من وضع حد لهذه الانحرافات الخطيرة التي تقود إلى زيادة في منسوب الغلو انطلاقاً من ردود الأفعال التي قد تكون مشروعة في رد العدوان.

بينما حقق العالم إنجازاً واضحاً في مؤتمر «كوب 28» الذي انعقد في الإمارات العربية المتحدة للحدّ من تطرف الطبيعة، وضبط التجاوزات البشرية التي تؤدي لتغييرات مناخية هالكة، نرى العالم على الوجهة الأخرى يشهد تطرفاً سياسياً وأمنياً متفلتاً، ولا بد من ضبطه قبل فوات الأوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2eejpf39

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"