عادي
قراءات

وسائل الإعلام تعيد إنتاج الشائعات

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»
تنتشر الشائعات في كل مكان بغض النظر عن طبيعة البيئة التي تحكم حياتنا الاجتماعية، وهي أيضاً أقدم الوسائل الإعلامية في التاريخ، فقبل اعتماد الكتابة، كانت المشافهة هي قناة التواصل الوحيدة في المجتمعات، وكانت الشائعة وسيلة لنقل الأخبار وبناء السمعة أو تقويضها، وتأجيج الفتن أو الحروب.
ويبدو أن الصحافة ومن ثم البث الإذاعي والإعلام المرئي والمسموع، كلها وسائل لم تستطع إخماد الشائعة، ولا تزال العامة تستقي الكثير من معلوماتها من المحادثات الشفوية، بل إن جلّ ما فعلته تلك الوسائل أنها جعلت الشائعات أكثر تخصصاً، بحيث باتت كل وسيلة تنشر الشائعات في مجال محدد وخاص بها.
أين تبدأ ظاهرة الشائعة وأين تنتهي؟ وما وجه الاختلاف بينها وبين ما يعرف عموماً بالمشافهة؟ الواقع أن هذا المفهوم ينسل متخفياً كلما اعتقدنا أننا نجحنا في تطويقه، فكل منا يعتقد بأنه يواجه شائعة عندما تبلغه أصداؤها، لكننا نبقى جميعاً عاجزين عن تقديم تعريف جامع للشائعة، وفي جميع الأحوال إذا كان لدى كل شخص منا اعتقاد راسخ بوجود الشائعات، فما من اتفاق عام يسمح بتحديد نقطة انطلاق هذه الظاهرة ونقطة انتهائها تحديداً دقيقاً.
يتساءل جان نويل كابفيرير في كتابه «الشائعات.. الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم» (ترجمة تانيا ناجيا): كيف نفسر ندرة الأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع؟ قد يعزى السبب الأول إلى صعوبة المهمة؟ فمن السهل إجراء أبحاث عن الصحف والمحطات الإذاعية والتليفزيونية باعتبار أن موضوعاتها موثقة، ولا شك في أن بمقدور كل شخص أن ينقب في مجموعات كاملة من المجلات والصحف، كذلك تسمح أجهزة التسجيل والفيديو بالإصغاء مجدداً إلى البرامج التي بثت سابقاً أو مشاهدتها ثانية.
لكن أمر الشائعة مختلف، ففيما خلا الحالات الاستثنائية لا يعرف الباحث بالشائعة إلا متأخراً، وعندئذ تكون قد خمدت أو بلغت طورها الأخير، وإذ ذاك لا يسعه إلا إجراء مقابلات حول أثر تلك الشائعة، وفي مثل هذه الحالة لا يدرس الباحث الشائعة نفسها وإنما ما خلفته من أثر في النفوس، ومن ثم لا يعود الموضوع صالحاً للاستيعاب، أما السبب الثاني فقد يعزى إلى أن الباحثين سعوا إلى تأويل الشائعات أخلاقياً أكثر منه إلى توضيح آلياتها.
تجدر الإشارة إلى أن الدراسات المنهجية الأولى التي تمحورت حول الشائعات كانت أمريكية، ويبدو أن عدد الشائعات التي أطلقت في خلال الحرب العالمية الثانية، وتأثيراتها السلبية في معنويات الجنود والشعب، قد دفعت بباحثين كُثر إلى الاهتمام بهذا الموضوع، فكيف عرف الباحثون الشائعة؟، هناك تعريفات منها أن الشائعة افتراض يرتبط بالأحداث القائمة يراد أن يصبح موضع تصديق العامة، بحيث يتم ترويجه من شخص إلى آخر مشافهة في العادة، ومن دون أن تتوافر أي دلائل ملموسة تسمح بإثبات صحته.
هناك تعريف ثانٍ يرى أن الشائعة تصريح يطلق لتصدقه العامة ويرتبط بأحداث الساعة وينتشر من دون التحقق رسمياً من صحته، في حين أن هناك تعريفاً ثالثاً لا يقول إن الشائعة قصة أو شرح غير مثبت من شخص إلى آخر ويتعلق بموضوع أو حدث أو سؤال يثير اهتمام العامة.
هذه التعريفات الثلاثة – كما يوضح المؤلف – تشير كلها إلى أن الشائعة هي في المقام الأول معلومة تضيف عناصر جديدة إلى شخص ما أو حدث ما مرتبط بواقع الحال، وهي تتميز بذلك من الأسطورة التي تتطرق إلى حدث من الماضي، ثانياً الغرض من الشائع هو أن يتم تصديقها؛ ففي العادة لا تسرد الشائعة بغية التسلية أو إطلاق العنان للخيال، وهذا ما يجعلها تتميز عن القصص الطريفة والمغامرات الخيالية، خصوصاً أن الشائعة ترمي إلى الإقناع.
لابد من الإشارة إلى أن الشائعات تسبق أي سقوط أو انهيار، ففي الشركة تعلن الشائعة تسريح الموظفين أو إجراء تغييرات جذرية، أما في السياسة فتسبق خروج الوزراء من الحكومة، والواقع أن المربك في الشائعة هو إمكان صحتها، ففي زمن الحرب يمكن للعدو وآذانه الوهمية، أو ما يعرف بالطابور الخامس، معرفة بعض الحقائق المخفية، من خلال الشائعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5hfnmvef

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"