«طفولة»

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

أتذكر معي صباحاً «مريول» المدرسة المقلم، تلك المربعات الزرقاء والوردية، وأحياناً تتحول الألوان للأخضر وفي فترات تتغير الملامح لتصبح قطعة واحدة دون أشكال. أتذكر طباشير السبورة التي كلما محوتها صرت مغبراً ويداك ملونة بفعل كثرة ما محوت من معلومات، تفنن المدرس بترتيبها وكتابها على سبورة سوداء حملت معها كل ما تعلمناه وحملنا للمستقبل، أتذكر طاولة الخشب التي أحياناً إذا وضعت رأسك تنام عليها متعباً، وأحيانا متململاً من يوم طويل مشمس؟ ومقلمة «حاوية» أقلاماً تفتح من الأمام والخلف؟ أتذكر معي غرفة الجد ولحافه الأحمر المقلم، ووسادته الخضراء التي كتب عليها «صباح الخير»؟ أتذكر سقفاً ليس عالياً، ومروحة تدور في الصيف والشتاء؟ أتذكر أبواباً مزينة مزخرفة بالورد وأوراقاً كانت صورة لمدخل الباب وأهله؟ أتذكر كراسي الخشب وجلسة المساء و«التكية» وحوار الفحم والقهوة.
أتذكر «زهبة العروس» وجمال ليلة الحناء وأهازيج الأهل وقصصاً مروية في «حوش» العرس، منقولة بين النساء مغردات بتفاصيل بيت العروس وعريسها؟ أتذكر جدتك حين كانت تعد في «القربة» حليب الصباح عند بزوغ الفجر ونوره؟
في زيارتي الأخيرة قبل أيام للكويت، دخلت بيتاً في «الجهراء» يسمى جزء منه «متحف هيا» لصاحبته، هيا العجمي، بدأت به بفكرة «بقالة» تجمع فيه تفاصيل الدكان وما كنا نبتاعه، حتى وصلت لتفاصيل المطبخ، غرفة النوم، ألعاب الأطفال وأغراضهم، تفاصيل العروس والمدرسة، علمتني يوماً عن الكثير من القطع التراثية التي ارتبطت بمجلس النساء وضيوفهم، بالتهوية، وكيف أن بعض هذه القطع التي تزينت بنقوش من صنع اليد يفوق عمرها ال٨٠ عاماً، رأيت ثوباً لزفاف أمها، وبعضاً من أغراض تشع حباً من الخاطب وأهله، رأيت المبخرة والمرش، ورأيت صوراً تترجمها القصص لأبعاد ثقافية ومجتمعية كبيرة.
الكثير من الذكريات يحملها المتحف لمجتمعهم والذي لا يختلف كثيراً عن مجتمعنا، تبقى فكرة التأريخ، والتوثيق والمحافظة على تفاصيل الموروث شغلاً شاغلاً للشغوفين به، ولمن يشعر بقيمة المحافظة على تفاصيل حياة من سبقونا، تبقى قيمة متجذرة من ثقافة صاحبها وما تعلمه من مجتمعه وعرفه وأراد أن ينقله قيمة ومعرفة للأجيال القادمة.
هذه المتاحف الفردية، منتشرة بيننا وأحياناً كثيرة بين البيوت والفرجان حتى تكون قريبة من المجتمع المحلي، وقد يغفل الكثيرون عنها، في بيوتنا تقبع الكثير من القيم الحقيقية وتتوشح مجالس الأجداد بقصص ومقتنيات مستحقة للتوثيق والتاريخ.. حتى لا ينسى الجيل الجديد هويته وإرثه، شكراً لكل من دفعه شغله لمثل هذه المبادرات وشكراً لمن يدعمهم ويقف معهم إيماناً بجمال ما تحتويه هذه البيوت المتحفية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4drftkx7

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"