2023.. عام الألم والعجز

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

اعتدنا التسلح بالأمل عند بداية كل عام جديد، ولكن ما يحدث حولنا وعلى كوكبنا من حروب وكوارث وأزمات تقتل بداخلنا الأمل في أن ينصلح حال البشرية في المستقبل، فالعام الذي نودعه كانت أيامه حبلى بالكوابيس، كوابيس لا تأتينا ونحن نيام ولكنها تطاردنا ونحن في قمة الوعي، أيامه كانت حالكة السواد ونحن نرى بأعيننا كل الأزمات والانهيارات، وكأن العقد الثالث من هذا القرن هو عقد الكوابيس.

فعندما اجتاح وباء كورونا الكوكب وتوحد العالم في مواجهته توهمناه درساً سيدفع الإنسانية للتكامل في مواجهة كوارث الطبيعة التي كشرت عن أنيابها نتيجة اعتداءاته عليها وخرقه لكل القوانين التي تحافظ على الأرض مكاناً مناسباً للحياة الإنسانية، ولكن الجائحة التي دفعتنا جميعاً للانزواء داخل المنازل خوفاً من أن تطولنا وتودي بحياتنا، لم تكن واعظاً كافياً لأن يغير الإنسان مفاهيمه ويتجاوز عن صغائره ويتّحد البشر لأجل الأجيال المقبلة، بل ازداد الإنسان عتواً وإفساداً وتجبراً، متوهماً أنه سيخرق الأرض وسيبلغ الجبال طولاً، فازداد عدوانية على الكوكب، فازدادت الكوارث الطبيعية بأشكال مختلفة، زلازل وبراكين وأعاصير وعواصف وفيضانات وارتفاع في درجات الحرارة وزيادة حدة البرودة بما يفوق قدرات الاحتمال البشري.

وجاء مؤتمر المناخ «كوب 28» الذي نظمته دولة الإمارات ليضع العالم أمام مسؤولياته تجاه كوكبنا، وليرفع الصوت عالياً محذراً من عواقب الانفلات في السلوك المعادي للطبيعة ومطالباً بالتوحد للحد من عواقب الاحتباس الحراري حتى لا تنفجر الأرض بمن عليها.

وبدلاً من أن تتكاتف الإنسانية لإخماد الصراعات، استحدثت بؤراً جديدة، وبدلاً من أن تنتبه لارتفاع أعداد من يقتلهم الجوع والعطش، أضافت أعداداً جديدة واستخدمت التجويع والتعطيش سلاحاً ضد المستضعفين الذين «تجرأوا» على المهيمنين وطالبوا بحقوقهم المنهوبة ودافعوا عن أرضهم المحتلة، وحشدت كل أسلحة الدمار للفتك بالإنسان واغتيال الطفولة في مناطق متفرقة على الأرض.

حروب تتنقل من مكان لآخر وطائرات تجوب الفضاء حاملة أسلحة الإبادة لكل من يخرج عن إرادة المهيمنين، وبوارج تجوب البحار مهددة ومتوعدة بإرهاب من يتجاوز على من نصّبوا أنفسهم ولاة أمر الكوكب. وها هي الحرب على غزة ستدخل شهرها الرابع بعد أيام، بعد أن هدمت القطاع الفلسطيني على رؤوس أهله بلا رحمة، ومعه هدمت كل القيم الإنسانية وخالفت القوانين الدولية وخرجت عن مفاهيم الحروب التقليدية التي تحرص على عدم قتل المدنيين، وأصبحت حرباً تشوه الحاضر وتغتال المستقبل وتفقد البشر الثقة في النظام الدولي بعد أن انحازت القوة الأكبر في العالم إلى إسرائيل، وقدمت لها كل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي لإبادة شعب، رافضة أن تستمع لصرخات الرأي العام في معظم عواصم الدنيا المطالب بوقف هذه الحرب الظالمة، ورافضة كل المبادرات الدبلوماسية والنداءات السياسية لوقفها.

لم يكف الخراب الذي خلفه الاقتتال المستمر في أكثر من بلد عربي منذ أن حلت بنا كارثة ما يسمى «الربيع العربي»، ليشعلوا اقتتالاً سودانياً سودانياً، بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، اقتتال داخل المدن، اقتحم المنازل وهدم المؤسسات، وأصاب الدولة بالشلل، ليدفع السودانيين للهروب من مناطق النزاع إما نزوحاً أو هجرة، وليهدد الدول المجاورة بعدم الاستقرار.

حرب مستمرة منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي، ولا يلوح في الأفق أي بوادر لوقفها رغم اليقين بأنه لن ينتصر فيها أحد، والكل سيخرج منها خاسراً، والخسران المبين هو للدولة التي تنهار وللشعب الذي يتشرد ويتفتت.

عام 2023 كان عام «إبادة المستضعفين»، وعام الألم للمتعاطفين معهم، وانكشاف مستور المتجبرين أمام العالم، وعام بداية انهيار النظام العالمي العاجز عن إلزام بعض دُوَلِه باحترام قوانينه، والصامت إجبارياً أمام جبروت المتجبرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2sxbsa33

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"