نظرية المجتمع والاستقرار الديناميكي

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو عالمنا المعاصر، في لحظته الراهنة، شديد التعقيد، إلى الدرجة التي يمكن وصفه بأنه في حالة انعدام اليقين، ليس نتيجة عدم استقرار النظام الدولي فقط، بل أيضاً بسبب الأزمات العديدة التي تعيشها الحداثة، بوصفها حالة معيارية للتقدّم، خصوصاً أن مفهوم الحداثة ذاته، لم يعد يتمتع بالحصانة التي كان يمتلكها، بخاصة مع الإخفاقات العديدة التي شهدتها نماذج حداثية كبرى، بما فيها النموذج الحداثي الأمريكي، في فشله الذريع، سياسياً وعسكرياً، في العراق وأفغانستان، هذا الفشل الذي شكّل، ولا يزال، مناسبة لإعادة تفحّص واسعة ودقيقة للنموذج الحداثي، وتحديداً، في ما يخصّ مسألة العقلانية.

وفي التطرّق إلى ضرورة نظرية المجتمع، بوصفها حاجة أبعد من نظرية، لفهم مجريات التاريخ، وطبيعة الصراعات الجارية، فإن الإخفاقات التي تعانيها الأنظمة الحديثة/ الحداثية، بما في ذلك، في تجاوز مشكلاتها الداخلية، تجعل الحاجة أكبر لدى الأجيال الشابة التي تريد فهم الشبكة المعقدة من الصراعات الموجودة. فإذا كان القرن العشرون حمل معه الكثير من إشارات التفاؤل بمستقبل المجتمعات، فإن هذه الإشارات اليوم أصبحت معكوسة، فقد حلّت مكانها إشارات ومؤشرات تدعو إلى اليأس والإحباط.

وراهنت معظم النخب السياسية في الدول الحداثية، الغربية منها خصوصاً، على بلوغها مرحلة ما يمكن تسميته ب«الاستقرار الديناميكي» في مجتمعاتها، وبَنت قناعات راسخة بأن التفاعلات المجتمعية ستبقى تعمل لمصلحة تقدّم مجمل الهياكل الاجتماعية، من مثل الدولة، المؤسسات، القانون، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، الرفاه، وغيرها، وأن دورة هذه التفاعلات الإيجابية لن تسمح للتفاعلات السلبية بتشكيل فارق نوعي، بل ربما، تسهم في الدفع نحو تطوير بنى وآليات الاستقرار الديناميكي، وأن المسافة الحداثية بينها وبين العوالم الأخرى، ستبقى تعمل لمصلحتها.

أياً يكن الدافع وراء هذا الرهان التاريخي، إلا أنه من حيث المبدأ هو رهان مضاد للتاريخ، بوصفه دورات متعاقبة، لا يمكن ضمان توقفها في محطة معينة، لمصلحة لاعب محدّد، لكن هذا الرهان، وجد لذاته تأكيدات نظرية وواقعية، أشبه ما تكون بالأمنية، في أن ينتهي التاريخ الذي عرفته البشرية، بحيث يتوقف عند محطة المنتج الليبرالي الغربي، وهو ما نظّر له الفيلسوف والاقتصادي الأمريكي، فرانسيس فوكوياما، في كتابه الإشكالي «نهاية التاريخ والإنسان الأخير».

في الجانبين السياسي والاقتصادي، تزداد الشكوك حول المستقبل داخل الدول الحداثية الغربية، وبشكل خاص الأوروبية، فإذا كان النضال النقابي، على سبيل المثال لا الحصر، قدّم العديد من الإنجازات للطبقة العاملة، إلا أن هذا النضال اليوم يعيش تحدّيات كثيرة، في مقدّمتها حالة الشك في آليات النضال، التي تمكنت القوى المهيمنة على السوق، وعبر آليات سياسية واقتصادية ومعيشية وقانونية، من ضبطه ومعايرته ضمن حدود، لا تؤثر في مصالحها، أو نطاق نفوذها.

في هذا الوقت، تمضي نماذج آسيوية في تقديم نسخة عن التقدّم، لا يحتل الجذر الليبرالي مكانة بارزة في تأسيسها، أو تأخذ الليبرالية فيها صيغاً، قد تتشابه نسبياً، لكن ليس على نطاق واسع، مع النموذج الغربي، وتتضمن مقوّمات مختلفة في استقرارها الديناميكي، عن تلك المقوّمات الحداثية التي عرفها السياق الغربي، وربما كانت الصين المثال الأبرز، وإن لم تكن المثال الوحيد، لكن عموماً، فإن النسخ المغايرة اليوم، تنتمي معظمها إلى القارة الآسيوية، والتي لا تشكّل تحدياً في النموذج فقط، بل أيضاً في مجال الديموغرافيا.

شهد العالم الحداثي الغربي تحوّلات في مجال نظرية المجتمع، ذات طابع ثقافي، مع تخفيض قيمة الجانب الطبقي من الصراع، إن كان داخل المجتمعات، أو على مستوى العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4pm77pfm

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"