عادي

مهرجان الفنون الإسلامية.. طريق النور

15:49 مساء
قراءة 4 دقائق
لوحات فنية من المعرض تصوير : (( هيثم الخاتم ))
لوحات فنية من المعرض تصوير : (( هيثم الخاتم ))
الشارقة: عثمان حسن
تجسد مشاركة الفنانين في مهرجان الفنون الإسلامية الدورة 25، مساهمة جديدة لجهة محاكاة شعار هذه الدورة «تجليات»، حيث برزت في المهرجان مشاركات خطية وتجهيزات فنية تحاكي هذا الشعار، وبعضها ينطلق من فكرة الضوء أو النور وتداعيات أو دلالات النور في النفس الإنسانية، وكان الأثر الإيماني أو الروحي بارزاً في هذه المشاركات التي في مجملها حاورت دواخل النفس واضطرابها، محاولة استجلاء تلك المعاني الروحية التي تغوص في ملكوت الكون والوجود.
الشاعرة والفنانة المفاهيمية سامينا فيراني من المملكة المتحدة تشارك في الدورة الجديدة للمهرجان بعمل فني عنوانه «متاهة المرايا» وهو يتناول موضوع الذكر، هذا الطقس الصوفي الذي يحمل تداعيات رحلة داخلية وتجربة عميقة تجعل الإنسان يحلق خلال رحلة عامرة بالإيمان والتجليات الروحية نحو منابع النور، وذلك هو شأن الإنسان في توقه الدائم إلى المعرفة.
المرايا في متاهتها بهذا التجهيز الفني، تحمل دلالات عميقة ومتعددة، وقد تبدو متنافرة، ولكنها في تشتتها أو تنافرها هذا، إنما تقود إلى حقيقة النفس التي تحمل ذات الاضطراب والتنافر في رحلة الخروج من الظلمات إلى أنوار الإيمان، و«متاهة المرايا» عمل يحفز على التأمل والخشوع والشفافية، من أجل أن تصبح النفس صافية، في تلك اللحظة التي تصل فيها إلى درجات من الترقي، وهذا العمل يعبر عن ألغاز خفية وغير مرئية، بحيث يأتي متماثلاً مع النفس البشرية في غموضها وتعقيداتها.
تستخدم سامينا في هذا التجهيز الفني مبادئ الهندسة الإسلامية، و«تسلسل فيبوناتشي»، نسبة إلى عالم الرياضيات الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي، وهي متتالية يساوي فيها الحد مجموع الحدين السابقين، كما تستخدم التكوين الهندسي للسماع الصوفي، من خلال تجربة شعرية وتركيبية مصورة عاشتها الفنانة سابقاً في الصحراء، حيث تقدم في المهرجان مرايا زجاجية ذات اتجاهين، تسمح للمشاهد بسبر الداخل ورؤية الخارج في آن واحد. والفنانة متخصصة في الأنثروبولوجيا الثقافية وفلسفة ما بعد الحداثة، كما تعلمت المبادئ الهندسية الإسلامية وأسرار الأنماط الخوارزمية بلندن.
  • أناقة التصميم
مستخدماً خط الجلي الديواني، يشارك الخطاط المصري حسام عبد الوهاب في الدورة الجديدة للمهرجان، من خلال لوحة حروفية يستخدم فيها الخط الجلي الديواني للآية القرآنية «نور على نور»، واللوحة مزينة باللون وأناقة التصميم، على شكل دائري ليستخرج من خلالها معاني التجلي الإيماني، وفي هذا التشكيل البصري والحروفي استطاع عبد الوهاب أن يعكس هذه المعاني، أولاً من خلال ما يفيده المعنى في الآية القرآنية «نور على نور» هذا المعنى الذي يفيض ويخترق اللون، بما تؤول إليه الآية ذاتها من تفسير، فالله يهدي لنوره من يشاء، من عباده، يهديهم إلى الإيمان والطريق المستقيم، طالما كانوا راغبين في الهداية ويتوقون أو يسعون إليها.
وفي مستوى ثانٍ، يلعب عبد الوهاب على الثراء البصري لشكل اللوحة الحروفية، وما تفيض به من ألوان، خاصة أن حروف الآية قد توزّعت في داخل شكل دائري، بما يعبر عنه هذا الشكل من دلالات إسلامية، وصولاً إلى تلك الإشراقات اللونية التي حرص عبد الوهاب على توزيعها على سطح اللوحة بتصميم أخاذ، وقد ساعده على ذلك استخدامه للخط الجلي الديواني، بما يمتاز به من مرونة الحروف وطواعيتها، وما تركته هذه اللونية المتناسقة، ولنقل اللونية الساطعة من درجات الأصفر والبرتقالي، واللون الأزرق حيث ألوان البحار والسماء والمحيطات، مروراً باللون الأحمر، وتلك الخلفية التي شكلها عبد الوهاب في وحدة متناغمة من البهاء والجلال والعمق، ليعكس من خلال ذلك وحدة الوجود، وتلك الإشراقات والفيوضات النورانية التي تهيئ الروح لرحلة جديدة من الصفاء والألق والتجلي.
  • ثراء لوني
بدوره يقدم الخطاط السوداني تاج السر حسن، لوحة حروفية مستخدماً الآية القرآنية «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، مستفيداً من تفسير الآية التي تفيد بأن جزاء من أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده، هو من دون شك إحسان من الله تعالى له بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم.
ويهندس تاج السر في هذه اللوحة مستويات عدة في تصميم الحرف والخط على نحو شاعري، يفيد تلك المعاني الروحية، حيث يستخدم الخط الثلث الجلي، حيث خط الثلث، هو خط صعب من حيث قواعده وموازينه، لكنه يمتاز بليونة وطواعية حروفه، الأمر الذي يجعله قابلاً للتكشيل كما هو بارز في اللوحة التي أبدع من خلالها تاج السر في تقديم ثراء بصري ملحوظ، يضاف إلى ثراء المعنى، حيث كان الخط العربي على الدوام فناً إسلامياً خالصاً، لارتباطه الوثيق بكتابة القرآن الكريم، ولكونه أصلاً لفن مرئي مزدهر في صدر الحضارة الإسلامية.
تنطق هذه اللوحة الساحرة بكل معاني الروحانية والتأمل، ومن خلالها يتعانق الحرف والخط والمعنى في تناغم فريد، ومن خلال روحانية تستدعي التأمل، في ما تحمله الآية القرآنية من بُعد روحي تسكن إليه النفس، وتطمئن إليه القلوب، وهنا، تتضافر القيمة الشكلية مع القيمة الروحية في ذلك التناغم الفريد الذي يحاكي تجليات الفن الإسلامي الذي يهذب النفس، وينمي الإحساس بالجمال، والانطلاق نحو فضاءات روحانية وصوفية غير مدركة، ولكنها تحرر هذه النفس الإنسانية من عذاباتها، وتشتتها، وحيرتها، لتدخل من جديد في في تجربة تستحق العيش والتأمل.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yc5ax746

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"