غزة والانتخابات الأمريكية

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

لقد شاءت الأقدار السياسية أن تفرض غزة نفسها على الانتخابات الأمريكية التي بدأت وتنتهي في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم. وهي انتخابات الرئاسة وانتخابات تجديد نصف أعضاء الكونغرس الأمريكي.

في هذه الانتخابات تبرز قوة اللوبي اليهودي (الأيباك) في تحديد مصير من سيفوز في الانتخابات بحكم عوامل كثيرة، أهمها الصوت اليهودي في الولايات الكبيرة الحاسمة وبحكم المال والإعلام، فضلاً عن المعتقدات الأيديولوجية والعَقَدية التي يحملها الرئيس المرشح، ووجود أكثر من ستين مليوناً من الأصولية المسيحية التي تؤمن بأن عودة المسيح مرتبطة بعودة اليهود لفلسطين.

والسؤال هو: ما الجديد في هذه الانتخابات؟ الجديد أمران، حرب غزة وما خلقته من تداعيات سياسية وتحولات في الرأي العام الأمريكي، والأمر الثاني عودة الرئيس السابق ترامب للمنافسة القوية والشرسة على منصب الرئاسة من جديد رغم كل الاتهامات التي وجهت إليه، وهو ما يعني محاولة الاستفادة منها.

وهنا السؤال ثانية: من هو أفضل من وجهة نظر إسرائيل؟ ترامب أو بايدن؟ إسرائيل تريد رئيساً الآن ورئيساً لما بعد حرب غزة، بعد أن تكون قد استنفدت رئيس الحرب الذي تمثله إدارة الرئيس بايدن الآن.

كيف أثّرت حرب غزة في الانتخابات؟ الإجابة لها عدة أوجه. أولها الدعم غير المسبوق تاريخياً في إدارات الرئاسة الذي أظهره الرئيس بايدن سياسياً وعسكرياً وأمنياً. فزيارته لتل أبيب منذ اليوم الأول للحرب ومشاركته في اجتماع مجلس الحرب وتبنّيه نفس الموقف الإسرائيلي ونفس المقولات والمبررات التي تتبنّاها حكومة بنيامين نتنياهو بتوصيف حماس «حركة إرهابية»، وتبرير عمليات القتل والتدمير وأن الحرب الإسرائيلية هي «للدفاع عن النفس»، وإرسال بوارجها وحاملات طائراتها وتزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي تساعد على الاستمرار في خيار الحرب ومواصلة التدمير وحرب الإبادة الشاملة، وتوظيف حق «الفيتو» في مجلس الأمن ضد كل مشروعات القرارات التي طالبت بوقف الحرب، والزيارات العديدة والتي لم تحدث من قبل لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن والتي تصل لست زيارات معلنة مؤكداً خلالها دعمه المطلق للموقف الإسرائيلي، إلى جانب زيارات ولقاءات وزير الدفاع لويد أوستن وعدد من النواب المتعاطفين مع إسرائيل، والموقف الأمريكي من قرار محكمة العدل الدولية الذي أعلنته مندوبتها في مجلس الأمن والتي وقفت في وجه أي مشروع قرار يطالب بوقف الحرب تنفيذاً لقرار المحكمة.

هذه المواقف كانت حرب غزة مفسرة لها. وهناك جانب آخر لتداعيات هذه الحرب مناقضة للموقف الرسمي الأمريكي ورافضة لهذه الحرب، وداعية لوقفها، وذلك في المسيرات العديدة التي قامت بها الجاليات العربية والإسلامية في معظم المدن الأمريكية، وفي مواقف عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس ومواقف بعض الإعلاميين وإن كانت محدودة، ولكنها تثير تساؤلات عن موقفها من التصويت في الانتخابات، والأكثر احتمالاً هو تصويتها السلبي الذي قد يعمل لصالح المنافس القوي ترامب.

والسؤال أيضاً عن تداعيات الحرب على موقف إسرائيل واللوبي اليهودي و«الأيباك» من التصويت، مع بروز بعض الخلافات بين الرئيس بايدن ونتنياهو حول مسارات الحرب. بايدن يريد إنجازاً سريعاً يخاطب به الجاليات العربية والإسلامية ويحقق هدف إسرائيل. وإسرائيل هدفها الآن الاستفادة المطلقة من الرئيس بايدن وفريقه في دعم مواقفها من الحرب والدفاع عنها في الأمم المتحدة وفي المحاكمات الدولية المحتملة، وفي عدم خسارة دول الاعتدال العربي.

ولعل من تداعيات الحرب على غزة هذا التحول الأوّلي من قيام الدولة الفلسطينية ودراسة خيارات الاعتراف بها، وهذا الموقف لا يخرج عن تل أبيب رغم ربطه بالأمن الإسرائيلي. هذه التحولات المتوقعة والممكنة قد تدفع اللوبي اليهودي و«الأيباك» للذهاب إلى اختيار الرئيس ترامب الذي قد ترى فيه المرشح الأفضل لمرحلة اليوم التالي، أي لما بعد الحرب، وذلك انطلاقاً من أكثر من منظور:

أولها: إن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وتطرفاً تتوافق مع يمينية وتطرف ترامب.

ثانياً: لأن الرئيس ترامب له مبادرته السابقة أو ما تعرف «بصفقة القرن» المتعلقة بالتسوية النهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهي نفس الرؤية التي تتبنّاها إسرائيل من حيث ماهية الدولة الفلسطينية غير المتكاملة والفارغة سيادياً ومن دون القدس التي اعترف بها «عاصمة أبدية لإسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية إليها، إضافة إلى توطين اللاجئين.

ثالثاً: ترى في ترامب الأكثر قدرة في توسيع عملية التطبيع.

رابعاً: أن هذه الحرب وكما أدت إلى تغيير ولو طفيف في الرأي العام الأمريكي إلا أنها زادت من بروز وتأييد اليمين القومي الأمريكي والشعبويين الكارهين لكل ما هو عربي ومسلم، ويتجسد ذلك في العديد من تصريحات القادة الجمهوريين في الكونغرس، وخامساً العلاقات الشخصية التي تربط بين نتنياهو وترامب.

ويبقى أن تداعيات هذه الحرب سوف تنعكس على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد يدفع الرئيس بايدن الثمن وقد يكون الخاسر الأكبر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yr2yt6ba

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"