عادي
صدر في الشارقة

التراث غير المادي..الأرض هدية أجدادنا

20:16 مساء
قراءة 5 دقائق
  • الناشر: معهد الشارقة للتراث

الشارقة: عثمان حسن

«ليست الأرض هدية تركها لنا آباؤنا، إنها دين نقترضه من أبنائنا»، تقول الأكاديمية الجزائرية فلاز ويزة في كتاب «التراث الثقافي غير المادي في الجزائر» وصدر عن معهد الشارقة للتراث، ويضم مجموعة من المنشورات التي تداولتها المؤلفة مع بعض قراء الإنترنت أثناء شهر التراث الثقافي لسنة 2020 خلال الحجر الصحي ل «كوفيد 19».. جاء الكتاب في 217 صفحة من القطع الكبير، وهو مزين بالعديد من الصور الفوتوغرافية التي توضح أشكالاً مختلفة من هذا التراث.

يدرس هذا الكتاب مجمل الشفاهيات والتقاليد والاحتفالات والمعارف والمهارات التي ورثها القدماء للأجيال اللاحقة، والتي لا تزال تمارس بدرجات متفاوتة الأهمية. والتراث غير المادي هنا، هو تراث غني وذو معنى، ونجد فيه كل التقاليد الشفاهية والأدبية كالأساطير والروايات التاريخية والقصص والأمثال الشعبية في الجزائر، فضلاً عن التراث الموسيقي والأغاني والألعاب الرياضية والتقليدية والممارسات والطقوس الاجتماعية، كالطقوس الدينية، وفنون الطهي، وخصوصيات اللباس، وكل المهارات التي تترجم أعمال الصناعات التقليدية والممارسات المرتبطة بالفلاحة وأعمال البحر.

فلاز ويزة

اشتمل الكتاب على عناوين كثيرة بينها: (موسيقى وأغان، الحوفي التلمساني، الأغنية الوهرانية «الراي»، الأغنية الوهرانية، المداحات.. والأغاني الدينية النسوية، المالوف والزجل في الشرق الجزائري / الشيخ حسن العنابي، سجال شعري بين سي محند والعالم الشيخ موحند الحسين، الأماكن المقدسة وشخصيات تاريخية، سيدي عبدالرحمن الثعالبي.. سيدي ثعالبي بابانا، الأساطير المؤسسة والقصص، الحرف والمهارات العتيقة، تراث الإنسانية).

*طقوس

تستعرض المؤلفة في الكتاب طقوس واحتفالات مدينة «سبيبة» بواحة «جانت»، وتؤكد أنها طقوس مدرجة في التراث العالمي منذ 2014، تمارس من قبل مجموعتين فنيتين من اليوم الأول إلى اليوم العاشر من الشهر الأول من التقويم القمري، (و «كل» بلغة الطوارق تعني «آل» أو «أهل»)، حيث يتنافس الراقصون والمغنيات لتسعة أيام، وهم يرتدون لباساً يشبه لباس المحارب من الصباح إلى المساء تحت أشعة الشمس الحارة، أمام جمهور متحرك، والراقصون ينقرون باستمرار على سيوفهم، بينما تغني النساء الأغاني التقليدية على إيقاع الدف.

هذا الطقس كما تؤكد المؤلفة، هو تعبير مهم عن الهوية الثقافية للطوارق من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي، وتجنب فكرة العنف المحتمل بشكل رمزي بين المجموعات المتنافسة، من خلال محاكاة العنف ونقله من ميدان المعركة إلى مجال المنافسة الفنية.

*الغناء الموسيقي

تتشابه أول أشكال الغناء الموسيقي التي عرفتها مدن شمال إفريقيا إلى حد بعيد، وقد تأثرت كلها بشكل مباشر أو غير مباشر بالطابع الأندلسي بمختلف أشكاله، مع استلهام الموسيقى العربية وأشكال شعرية من الموشح والزجل، وكان معظم مؤلفي فن «الحوزي»، في بدايته من مدينة تلمسان، وانتشر إلى البليدة، قسنطينة، الجزائر العاصمة، وعنابة، وهو يختلف عن فن «المالوف» الأندلسي، ويتألف «الحوزي» من مقطوعات شعرية منظومة باللسان الدارج واللغة العامية، في قالب موسيقي خاص، يعود تاريخه إلى قرون عديدة، ربما القرن الرابع عشر أو ما قبله، وقد ذكره ابن خلدون في «المقدمة» عندما تحدث عن «عروض البلد».

اشتهر الطرب الحوزي في تلمسان منذ القرن الخامس عشر ميلادي على يد الشاعر سعيد بن عبد الله المنداسي (1583 1677) تم أحمد بن تريكي 1650، ليليه شاعر تلمسان المشهور محمد عبد الله بن مسايب 1776، ثم عائلة بن سهلة في بداية القرن الثامن عشر، والتي تغنى فيها الأب محمد والابن بومدين ونوري كوفي في عدة قصائد عن الصداقة الخادعة، وجراح وخيبات الحياة، والتوبة إلى الخالق.. إلى غير ذلك من القصائد والألحان التي ظلت ترددها الأجيال على مر القرون.

*الزي التقليدي

في باب الزي التقليدي، تبحث فلاز ويزة في حديث متشعب له امتدادات أفقية جغرافية عريضة، وأخرى تاريخية تعود إلى قرون خلت، هي الأبعاد التاريخية نفسها لتراث عموم الشمال الإفريقي،، وفي هذا الإطار تؤرخ الباحثة لأنواع عدة من الزي التقليدي الجزائري، على سبيل المثال: البرنوس والملحفة والحايك، وهو يختلف بحسب المناطق، ولكل منطقة لباسها الذي يتناسب مع مناخها ووضعية سكانها الاجتماعية والاقتصادية، في الشرق الجزائري على سبيل المثال نجد القندورة القسنطينية المطرزة بخيوط الذهب.

وتتحدث المؤلفة عن المئات بل الآلاف من الأساطير في الجزائر، منها مثلاً واحدة تقول إن ميلاد أو بداية قصة «مدينة المدية» المرتفعة فوق جبال الأطلس على سبيل المثال معجزة، حتى وإن بين ابن خلدون أن مؤسسها بولوغين ابن زيري «فما زال القدماء يروون الأسطورة التي تقول إن المدية مدينة محمية، جاءت بها الملائكة كهدية للبشر، نصبتها في الأطلس التلي، إذا دخل الشر إليها صباحاً فسيخرج منها قبل أن يظلم الليل».

وهناك «عين العرايس»، وهي بمثابة نبع ماء وفأل خير للعرائس اللواتي يتمنين السعادة والاستقرار الزوجي، وكل الفتيات المقبلات على الزواج يقمن بزيارتها للتعبير عن أمنيات قبل العرس، ولاتزال هذه العادة قائمة.

*فنون الطبخ

في باب حديثها عن تقاليد الطعام، فليس ثمة ما هو أشهر من «الكسكس» التي رأت الباحثة أنه أكثر من مجرد طبق للاستهلاك، إنه ثقافة تتضمن العديد من مجالات التراث، يستغرق تحضيره وقتاً طويلاً، لأنه يمر بمراحل عدة، كما يتطلب إنتاجه مجموعة من الأدوات التي تم تصنيعها عبر القرون لتحسين جودته، وتقول عن أصله «لا داعي أن نسأل عنه، لأنه أقدم من أن تكون له حدود، يتربع على شمال القارة الإفريقية ويتوغل في أعماق الصحراء إلى وسط القارة».

تحت باب بعنوان «الحرف والمهارات القديمة» تقدم المؤلفة نماذج من الحرف التي تتداخل فيها موضوعات التراث الثقافي والتراث الطبيعي، وخير مثال على ذلك، زراعة أشجار النخيل، فالنخلة هي منتوج طبيعي يغرسها الرجال والنساء الذين يملكون معارف خاصة من أجل حمايتها وتأمين الشروط الضرورية لتطورها، والنخلة كما تؤكد المؤلفة هي جزء من التراث الزراعي، وهي نبع للحياة في واحات الصحراء، وكل ما فيها يفيد للتأقلم مع صعوبات الحياة.

وتذكر المؤلفة في هذا الصدد النخلة "تازدايت" بالأمازيغية، التي تعتبر ملكاً لسكان الواحات في عموم الصحراء الجزائرية وفي صحارى أخرى من العالم، وتعد النخلة من المنظور الثقافي منبعاً غزيراً للروحانيات التي تغذي علم الأساطير لاستعمالات مختلفة: (نواة التمرة تستعمل في طقوس الحماية من قوى الشر، وحماية الطفل وقت الولادة، والفتاة عند الزواج وغير ذلك).

والنخلة بالنسبة لإنسان الصحراء تضبط مختلف مراحل حياته، ففي الواحة يخلق مناخ محلي يسمح للحياة النباتية بأن تزدهر، وتجعل الحياة الصحراوية ممكنة ومقننة، وتفرض رزنامة خاصة للصحراوي تنظم أحداثه اليومية، كأوقات الغرس والجني، وقطع الأغصان، ونزع الأعشاب، والاستهلاك، إلى جانب تواريخ الأحداث الثقافية والعقائدية والاحتفالية.

*اقتباسات

  • الطبيعة لها حقوقها على البشر، عليك أن تتعايش معها ولا تواجهها إذا كنت لا تريد أن تتحمل العواقب.
  • طبيعة الإنسان أن يكون عادلاً ومنصفاً، وعدو الإنسان هو أن يبقى وحيداً يواجه الطبيعة بدل أن يكون جزءاً منها.
  • الملحفة لباس قديم مرت عليه آلاف السنين، تحمي الذاكرة الثقافية، ارتدته الكاهنة، الملكة الأمازيغية التي حكمت جزءاً كبيراً من شمال إفريقيا.
  • الشعر جزء من التراث الشفوي الذي نبغ فيه البشر وله مكانة كبيرة ومفخرة في عموم المجتمع الجزائري.
  • الحناء في الأصل هي نبات كان يستعمله القدماء، وكانت تزرع في الحقول وتباع على شكل أوراق وتحضر في المنازل.
  • يعد الاحتفال بيناير احتفالاً عائلياً منذ قرون، يعيشه الجميع في حميمية، وبكل حماسة، إنه تراث ثقافي متجذر في التقاليد الشعبية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3f29cexc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"