خلاصات في العام الثالث للحرب

00:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

حسام ميرو *

في 24 من الشهر الجاري، دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، في الوقت الذي تبدو فيه هذه الحرب بلا أي أفق لحلّ سياسي، بل إن العالم كلّه يفيض بمؤشرات ازدياد رقعة الحرب في العالم، وإن أوقات الرخاء التي عاشتها الكثير من الدول، قد تصبح شيئاً من الماضي، فقد وجدنا أن المعادلات الدولية لا تسمح لكبار اللاعبين باتباع سياسة عدم الانحياز، خصوصاً عندما يكون الصراع الدولي في حالة احتدام، حينها، يصعب على أصحاب المصالح الممتدّة عالمياً أن يكونوا على مقاعد المتفرجين.

قبل عامين، فضّلت الولايات المتحدة، عدم إعطاء الدبلوماسية والتفاوض الأولوية في معالجة مخاوف موسكو من تمدّد حلف الناتو من البوابة الأوكرانية، وكان السؤال الأبرز في الشهرين اللذين سبقا دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، هو: هل تفعلها موسكو؟.

كان سيناريو الحرب موجوداً ومرجّحاً لدى صنّاع القرار في أهم المؤسسات الأمريكية، وتحديداً في البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية، وربما، كانت واشنطن راغبة بالفعل برؤية الدبابات الروسية تجتاح أوكرانيا، وإلا ما الذي دفع واشنطن للتنصّل من وضع الجهد الدبلوماسي المطلوب لإخماد شرارة الحرب قبل اندلاعها.

علاقة أوروبا بأمريكا علاقة تتضمن مستوى من التبعية العسكرية والأمنية، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتمد الأوروبيون على واشنطن بشكل رئيسي، لضمان الأمن القومي للقارة، والتي بدت، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وتوحيد ألمانيا لشطريها، أنها ذاهبة نحو استقرار بلا حدود، فالقوة الشيوعية السابقة التي كانت تشكّل تهديداً لهم، لم تعد موجودة، وسارعت دول المنظومة الاشتراكية إلى الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، ودخلت بعضها في حلف الناتو، وكانت روسيا مشغولة بترميم أوضاعها الاقتصادية والسياسية والحكومية، وهي، لئن تمكّنت من التقاط أنفاسها، وإعادة صياغة نظامها السياسي، إلا أن الأوروبيين، لم يتوقعوا أن تطمح روسيا مجدداً إلى لعب دور دولي على نطاق واسع، أو أن تكون قادرة على إشعال الحروب في أوروبا.

كان الثمن الذي دفعته الدول الأوروبية الأساسية، لقاء تبعيتها لواشنطن، ثمناً زهيداً من وجهة نظرها، بل في مصلحتها، فعوضاً من صرف أموال طائلة من أموال دافعي الضرائب، لتقوية المؤسسات العسكرية، كانت واشنطن، عبر الناتو، قد أخذت المهمة المالية الأكبر على عاتقها، وأيضاً المهمّات العسكرية والأمنية الأكثر حساسية، نظراً لمستوى التطور التقني في قطّاعات الجيش الأمريكي، لكن، التاريخ الواقعي ليس تاريخ الاستقرار الدائم، وتأجيل دفع الأثمان المطلوبة في وقت استحقاقها، لا يلغي احتمال دفعها مضاعفة في أوقات لاحقة.

وعلى الرغم من أن احتمال الحرب كان موجوداً بقوة في ذهن صانع القرار الأمريكي، إلا أن كلّ عواصم الدول الكبرى في أوروبا، كانت تتعاطى مع احتمال الحرب كاحتمال موجود نظرياً، لكنه غير ممكن عملياً، في حالة إنكار لإمكانية تحوّل الممكن النظري إلى واقعي، فإذا كانت الحرب بين الدول في أوروبا، بمنزلة خطّ أحمر في السياسات داخل القارة، إلا أن هذا الخطّ الأحمر لا يمتلك صفة الديمومة، بل رهن معادلات واقعية، وحين تتغيّر هذه المعادلات، فإن كسر الخطوط الحمراء يصبح ممكناً، وليس هناك استثناءات في العالم، بل معادلات قوة، قابلة للتبدّل، وموازين قوى يطمح اللاعبون إلى تغييرها ما أمكنهم ذلك.

وفي عدم ممانعتها للحرب، كانت واشنطن تعوّل على استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً، عبر آلاف العقوبات التي فرضتها وحلفاؤها على المؤسسات المالية والعسكرية والتقنية والتجارية الروسية، لكن ما غاب عن ذهن واشنطن، هو الديناميات الخاصّة لروسيا، حيث يصعب تصوّر بلورة تيار سياسي وشعبي مناهض للحرب، كما أن منع موسكو من تصدير غازها لأوروبا، وخصوصاً إلى ألمانيا، دفع باتجاه شراكة في مجال الطاقة بين موسكو وبكين، حيث أصبحت موسكو المزوّد النفطي الأكبر لبكين، فقد بلغت واردات بكين من النفط الروسي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، أكثر من مليوني برميل يومياً.

الدعم الأوروبي متعدد الأوجه لأوكرانيا، بدأ يلقي بظلاله على اقتصادات بلدانها، لكن ليس هذا هو الأسوأ، فالتراجع الاقتصادي، أفسح في المجال لعودة اليمين بقوة، حيث تركّز الأحزاب اليمينية على فشل السياسات الحكومية في منع ازدياد التضخّم، ودعم اللاجئين الأوكرانيين على حساب المواطنين، حيث يوجد نحو 8 ملايين لاجئ في عموم بلدان أوروبا، يتلقون دعماً من مؤسسات الرعاية، إضافة إلى الدعم العسكري والمالي الذي تقدّمه الحكومات الأوروبية لكييف، وكلّ ذلك، يمنح أحزاب اليمين عموماً، واليمين المتطرف خصوصاً، فرصة لبناء شعبية واسعة، والعودة بقوة إلى مؤسسات الحكم في البلديات والبرلمانات ومراكز صناعة القرار.

أبرزت الحرب الأوكرانية، مدى عمق أزمات النظام الدولي، وفشل القوى الكبرى في بناء صيغة تشاركية جديدة، بعد انهيار النظام ثنائي القطب، وعطالة الأمم المتحدة في أن تكون منصة لتأمين السلم والأمن العالميين، وحاجتها إلى تجديد نفسها، وعقدها الدولي، لكن، قد تكون الخلاصة الأبرز للحرب الروسية- الأوكرانية، هي في عودة الحرب كآلية لا غنى عنها في معالجة الأزمات الإقليمية والدولية، بحيث يكون العالم مقبلاً على فتح ساحات جديدة من الحرب، أو توسيع ساحات قائمة بالفعل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yxk5rkuh

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"