المعرفة بذكاء

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. باسمة يونس

يستمر الذكاء الاصطناعي في إبهارنا وتعزيز حضوره كأداة قوية في دعم وتطوير الكثير من المهام والخدمات التي كانت تحتاج إلى سنوات طويلة لتقديمها، ومن بينها عملية القراءة وتطوير مهاراتها، وليس فقط في توفير الوصول السهل إلى المحتوى القرائي المتنوع، بل في تحسين تجارب القراءة التفاعلية، وإعطاء تقييم دقيق لكل جوانبها وصياغة برامج تدريبية مخصصة للجميع.

ولم يعد ممكناً تجاهل قدرة الذكاء الاصطناعي الهائلة على إحداث تحول جذري في عملية التعليم وطرق القراءة المعروفة، فهو لم يسمّ عبثاً ذكاءً، بل هو واحد من أبرز التطورات التكنولوجية في العصر الحديث بقدرات مذهلة؛ من بينها تحليل البيانات بسرعة هائلة، وتوليدها بشكل فعّال يجعل عملية تعليم وتطوير مهارات القراءة مختلفة وتجربة ممتعة لجميع أطرافها.

ولا شك أن تشجيع القراءة قد أصبح مهمة من أسهل المهام بتوفير الوصول السهل والسريع إلى محتوى متنوع وشامل يلبي رغبة القراء من كل الفئات وتخصيص الكتب والمقالات وفقاً لاهتمامات واحتياجات كل قارئ، ناهيك عن تسهيل عملية البحث عن المواد المناسبة باستخدام خوارزميات التعلم الآلي، لتحديد تفضيلات القرّاء واقتراح المواد المناسبة لهم، بناءً على تاريخ قراءاتهم السابقة واهتماماتهم.

ويستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم في تطوير تجارب القراءة التفاعلية، حيث يتيح إنشاء بيئات قراءة افتراضية وتفاعلية تشبه الواقع بشكل كبير وتسمح للأفراد بالاستمتاع بقراءة الكتب والروايات وفهمها بشكل أعمق وتوفير تعليقات وشروح فورية لها.

وتسهم تطبيقات القراءة الذكية في تعزيز عادة القراءة بشكل يومي ومنتظم، من خلال تحديثات دورية للقراء، وتشجعهم على استكمال الكتب ومشاركة تجاربهم في قراءتها مع الآخرين، وتوفير تقييمات دقيقة وشاملة لأدائهم باستخدام تقنيات تحليل النصوص، كما تحدد نقاط القوة والضعف في مستوى القراءة لكل فرد، وتستطيع برامج تدريبية مخصصة استهداف تطوير الجوانب التي تحتاج إلى تحسين لديهم.

ويمكننا اعتبار الذكاء الاصطناعي شريكاً أساسياً في رحلة تعزيز القراءة وتطويرها بقدرته المؤثرة في عمليات رئيسية، مثل التوصية بالكتب وتحليل أنماط قراءة المستخدمين واهتماماتهم بالاستناد إلى تحليلات متقدمة لمحتوى ومضمون الكتب وتفضيلات القراء، إضافة إلى تحليل الكلمات والعبارات والسياق بشكل تلقائي لفهم معاني النصوص وتحليلها بشكل شامل، وتطوير تجربة القراءة التفاعلية.

ولا ننسى عملية الترجمة الآلية للكتب والمقالات من لغة إلى أخرى، إذ يمكن للنظم الذكية تعزيز الوصول إلى المعرفة والثقافة المختلفة بأسهل الطرق وأقل وقت، حيث لم يعد الوصول إلى المعلومات وفهم مضامين ومحتويات الكتب عملية معقدة وطويلة، بل بات أسهل مما هو متخيل وأصبح الذكاء الاصطناعي يلعب باستخدام هذه الطرق المتقدمة دوراً مهماً في تعزيز تجربة القراءة، وتوفير فرص جديدة للقراء لاستكشاف المحتوى الأدبي بطرق مبتكرة.

ونجحت تجربة عالمية معروفة تسمى «مشروع غوتنبرغ» التي تأسست في عام 1971 كمشروع طوعي، في عملها الهادف إلى رقمنة الكتب وتوفيرها بشكل مجاني عبر الإنترنت باستخدام التقنيات المتطورة للذكاء الاصطناعي في توفير خدمات متقدمة للقرّاء، مثل نظم التوصية بالكتب، بناءً على اهتماماتهم، وتحليل النصوص لتوفير تجارب قراءة متميزة وخدمات ترجمة آلية للكتب إلى لغات متعددة، ما سهّل على القراء في جميع أنحاء العالم الوصول إلى المحتوى بلغاتهم المفضلة، ونتج عن هذا المشروع مكتبة ضخمة من الكتب الإلكترونية تضم آلاف العناوين في مختلف المجالات، بما في ذلك الأدب والتاريخ والعلوم وغيرها بطريقة مبتكرة ومرنة وأسهم في تعزيز القراءة وتوسيع دائرة المعرفة بشكل عام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/y54vbwyj

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"