مُرّاكش الحمراء

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

على امتداد شارع طويل، مُطعّم بالجبال، من الدار البيضاء إلى العاصمة الثقافية مُرّاكش، كانت قصة استكشاف أصيلة، في رحاب المغرب وأهلها، توّجت في فبراير 2024، عاصمةً للثقافة الإسلامية، بعد رحلة طويلة كان لا بدّ من التجربة المراكشية، في ساحة الفنا، حيث تتجلّى الحالة العفوية لكل ما يجري من ألعاب، وتسلية، من باعة ومأكولات، من فواكه لذيذة، وأصحاب مطاعم ينادون عليك في كل اتجاه ومكان.

الفناء بكل تفاصيله التي لم نستطع حتى أن ننهيها في يوم واحد، كل تلك الأزقّة التي تتشعّب وتدخلك من مكان إلى مكان، من حرفة إلى أخرى، كان الإحساس مبهراً حين تجد الحرفيين في بيت ما، يعملون بأيديهم وكأن الصنعة لم تندثر، ولم تأت التكنولوجيا فتبعثرها، بيوت كثيرة لألوان تعكس حياة البشر السهلة التي لاتزال متمسكة بحرفة اليد، الأزقة لا تنتهي، والألوان تتصاعد في جمالها وزهوّها بمن فيها. المكان يعجّ بالسياح، وتجربتهم للأشياء، كنت أستمتع بكل التفاصيل الصغيرة، ورؤية شيخ كبر في العمر ولا تزال يده تتلاعب بالأدوات وينتج ما تعود عليه، في دقة وجمالية لا يشوبهما رقم عمره، كنت أفرح في المحال الصغيرة وأتطلع أكثر لأن أسمع قصصهم التي أرسلوها بعيونهم ومنتجاتهم.

دخلت «متحف الروافد - دار الباشا»، قصر بني عام 1910 وهو من عجائب المعمار المغربي، ويشهد بمدى بعد «الباشا الكلاوي» في إدخال المعمار الأوروبي وتوظيفه مع الفن المغربي الأصيل، ليخلق توليفة غاية في الإبهار؛ لم أستطع إلا أن أطيل النظر في كل زاوية.. للنحت، للزخرفة، للرسم، لأعمال الخشب التي لا أدري كيف صبر عليها النحّات، للتجانس بين اللونين الأبيض والبني، للتاريخ العريق للمعمار، وقصة الحضارة الأندلسية التي تتحدث بنفسها.

في داخل المتحف كان هناك معرض خاص ومهم للفنانة الراحة فاطنة كنوري، أحد أهم الرموز الفنية التي جسدت حياة أهل المغرب بتفاصيلها العفوية والجميلة؛ ما جذبني إليها قصتها، فقد اكتشفت موهبة الرسم لديها في عمر 58، وانطلقت بخيالها لتثري الساحة الفنية المغربية، وجسدت في 20 عاماً أجمل التفاصيل اليومية الحياتية الحقيقية لأهل المغرب، كانت لا تتبع الحالة الأكاديمية في الرسم، بل ما تحسّ به، وهذا ما يجعلك تقف مشدوهاً أمام روعة لوحاتها وألوانها.

وإن صدقت القول أمام مدرسة خطوط خاصة بها، كنت أجلس لأستمع لحوار لها، لم أفهم الكثير منه لكنها وهي تتحدث تعطيني الكثير من الأمل، كيف أن الحياة الحقيقية ليس لها عمر بداية أو نهاية. ومتى نحقق ما خلقنا لأجله. فاطنة التي رحلت عام 2012، نموذج لجمال الروح، التفاني والعطاء، هي رمز وكلمة لمن يقول لك يوماً «لم يبق في الحياة كما رحل».. سأقول لهم عبر عين «فاطنة» كل يوم هو حياة جديدة مستحقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/25ah2bj7

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"