الشارقة: عثمان حسن
اختتمت ظهر الاثنين، فعاليات برنامج الملتقى الفكري المصاحب للنسخة ال 33 من أيام الشارقة المسرحية (الإخراج المسرحي بين الأثر والتأثر) بثلاث مشاركات لمخرجين مسرحيين عرب هم: التونسي غازي زغباني والمصري طارق الدويري، والإماراتي فيصل الدرمكي.
قدم غازي زغباني ورقة بعنوان «تأثير المرجعيات المرئية في إخراج النصوص المسرحية المقتبسة.. شهادة شخصية» حيث أكد أنه لم يخف تأثره بمسرح العبث بوصفه كان مسرحاً متمرداً على الواقع، وكان أول ما تأثر به هو مسرحية «في انتظار غودو» لصموئيل بيكيت في خمسينات القرن الفائت، التي قدمت خطاباً بصرياً جديداً يمزج بين الرمزية وغموض الفكرة، وكان تأثره بهذا العمل الكبير قد انتقل بشكل واع أو غير واع إلى تلك التساؤلات التي تطرحها المسرحية وهي تساؤلات ميتافيزيقية وحاول من خلالها أن يقدم تجربة شخصية لشخصيات في علاقة عمودية تلخص مأساة الإنسان.
وواصل زغباني شغفه بمسرح العبث على طريقته الشخصية من خلال عمل آخر من خلال مسرحية «الدرس» وهي أيضاً مسرحية مقتبسة من المسرح العالمي وهذه المرة من خلال أوجين أونيسكو، وأنتجها مسرح «أرتيستو» ولكنها قدمت بروح خاصة ومخيال جسد رؤية زغباني في اقتراح مسرح عربي يقوم على التجديد والابتكار، وهو ذات الشيء الذي عكسه عرضه «الطرح» الذي استلهم فكرة نص «الخادمات» لجان جينيه عاكساً من خلالها مفهومه للعبث في الواقع التونسي الذي كان يعيش حالة توتر وعدم استقرار تحول دون التواصل بطرق صحيحة بين الأفراد.
جدلية
بدوره قدم طارق الدويري ورقة بعنوان «الإبداع الفني وجدلية الأثر والتأثير.. الإخراج المسرحي المصري مثال»، أكد فيها على أن التأثر الفني بأية تجربة عالمية لا يضير المخرج أو الكاتب المسرحي، شرط أن يكون هذا التأثر إيجابياً، ويحمل ملامح التجربة والرؤية الخاصة للمسرحي العربي، وأشار إلى رؤيته الفنية التي تتبع نهجاً خاصاً من خلال توظيفه لأكثر من نص روائي أو مسرحي في عروض تستفيد من المناخ الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي نعيشه، لكنه لفت إلى ضرورة أن يكون التأثير بعيداً عن التكرار أو التقليد ويقدم ملمحاً فنياً جديداً يحمل بصمة الفنان، وأن يكون نظر المسرح متوجهاً نحو الداخل في تفاعلاته الاجتماعية والأيديولوجية، من أجل صياغة مشروع حضاري يترك مساحته في وعي المتلقي العربي، كما أكد أنه لا يقدم أشياء مفتعلة وهو يحاول قدر الإمكان تفكيك التوجهات المذهبية أو الأيديولوجية ويطرح من خلالها صيغة فنية تحفز على التحرر والانطلاق.
تطرق الدويري إلى تجربته مع مسرح الهناجر ومحاولة تقديم صورة جمالية من خلال المسرح، وفي هذا السياق أشار إلى كثير من التجارب العالمية كما أكد على نهج بيتر بروك الذي قدم مسرحاً يحفز على البحث والاكتشاف والتفاعل، وأشار أيضاً إلى تجربة الناقدة د. هدى وصفي إحدى الشخصيات التي أثرت في حركة المسرح المصري والعربي وكان لها دور بارز في حركة التجديد المسرحي في مصر من خلال إدارتها لسنوات لمسرح «الهناجر» و«المسرح القومي».
أما فيصل الدرمكي فقدم ورقة بعنوان «المخرج المسرحي واستلهام التراث الشعبي بين التقليد والتجديد»، قال في بدايتها «إذا بحثنا عن المسرح الشعبي ليس فقط في الإمارات بل في الخليج عامة، سنجد أنه الأقرب للمتفرج نتيجة التفاعل الإنساني بين الأفراد والجماعات تعبيراً عن مزيج الارتباط الحسي والوجداني والمعنوي بين أبناء المنطقة الواحدة».
وفي ورقته أشار الدرمكي إلى محطات رئيسة في تاريخ التجربة المسرحية في الإمارات مثل تجربة الكاتب سالم الحتاوي التي ركزت على البسطاء والمهمشين، تلتها تجربة ناجي الحاي من خلال عمله (أحمد بنت سليمان) ذلك العمل الكبير الذي اعتبر بمثابة تراجيديا موجعة عن القهر الاجتماعي وآثاره في الناس، وهي تعالج قضية جدلية في جرأة، وبأسلوب نقدي بليغ وبنّاء.
ثم توقف عند تجربة الكاتب إسماعيل عبدالله وتلك الشراكة التي نسجها مع المخرج المميز محمد العامري، حيث يعتبر إسماعيل عبدالله كاتباً مهجوساً بالتراث الإماراتي وتزخر نصوصه بالكثير من الظواهر والمفردات التراثية وقال: «إن قدرة إسماعيل عبدالله على تقديم أعمال شعبية رصينة هي التي دفعت الكثير من المخرجين إلى تحويل أعماله إلى عروض تركت أثراً كبيراً في التجربة المسرحية الإماراتية».