عادي
حوارات ثرية وسينوغرافيا مبتكرة

«الطارق الأخير»... مفاجآت الحياة قلب الدراما

14:56 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
شهد قصر الثقافة في الشارقة، مساء أمس الأول «الثلاثاء»، ضمن فعاليات الدورة ال33 لمهرجان «أيام الشارقة المسرحية»، عرض «الطارق الأخير»، لفرقة مسرح دبي الوطني، تأليف وسينوغرافيا وإخراج علي جمال، وتمثيل بدرية محمد، وبدرية أحمد، وأحمد يوسف، وحمدة الظاهري، وسها.

لدى الفنان علي جمال دائماً رؤية وفكرة جديدة ليقدمها، فهو يعمل على عدم الوقوع في التكرار والبحث المستمر عن التجديد والابتكار، خلال كل مشاركاته في «أيام الشارقة المسرحية»، وفي عرض «الطارق الأخير»، عمل على تجربة مختلفة، حيث جاء العمل وهو يحمل العديد من المواضيع والثيمات، وفي حديث ل«الخليج»، قدم جمال إضاءة عن العمل، عندما ذكر بأن العرض يدور حول الإنسان البريء والذي تصدر منه في بعض الأحيان أشياء غير متوقعة، عندما يكون تحت وطأة الظروف والقهر.

العرض يعتمد على حكاية أو «حدوتة»، وسعى إلى تعزيز الإحساس بذلك الأمر، من خلال استهلالية للراوي بدأها بجملة «كان يا ما كان»، التي تستخدم في سرد الأحاجي والحكايات الشعبية القديمة، كما عمق العمل تلك الدلالات عبر توظيف عدد من التقنيات مثل الأزياء ومسرح خيال الظل، لتوصيل مضامين الحكاية، واستعان بكثير من الأفكار والمقترحات التي تجعل السرد والأداء التمثيلي في خدمة مضامين العرض.

*قصة

يتحدث العرض عن قصة فتاتين هما «سِنة»، وأختها «منة»، من أم واحدة وأبوين مختلفين، حيث كان والد «سِنة» يعمل في مجال صناعة الفخار، بينما كان والد «منة» يشتغل في حلاقة الحيوانات، وورثت كل من الفتاتين مهنة أبيها، كانت «سِنة» عانساً تقدم عمرها إلى ما بعد الأربعين، بينما كانت «منة» أقل عمراً منها وهي تنتظر مولوداً من زوج هجرها.

ولأن الظروف كانت صعبة جداً، وقسوة الحياة شديدة، لم يكن بإمكان الفتاتين تحصيل قدر من المال يعينهما على الظروف ووطأة العيش، فاضطرتا إلى هجر مهنتيهما والعمل في مجالات أخرى، فمارست سنة مهنة الطبخ، بينما اشتغلت منة في مجال غسيل الملابس، وهي الأشغال التي عرضتهما لكثير من المشاكل والإذلال، فأهل الحي كانوا يعيرون الفتاتين بتلك المهن التي لا يقبل عليها إلا الفقراء وأصحاب المكانة الاجتماعية المتدنية، وكانت كل من سنة ومنة تقضيان يومهما في الطبخ وغسيل الملابس والكثير من الثرثرة والمشادات الكلامية.

*زائر

وفي إحدى الأيام يطرق أحدهم باب الفتاتين، فإذا به نوفل الجابي، الذي كان وكيلا لعمدة القرية الظالم في تحصيل الجبايات، وأحدثت تلك الزيارة ربكة كبيرة للفتاتين، حيث أنهما لا تمتلكان ما يفيض عن الحاجة لدفعها للجابي، خاصة أن منة حامل وتحتاج إلى الرعاية، لكن كل محاولتهما في إقناع الجابي بظروفهم الصعبة لم تأت أكلها، فقد أصر الرجل الطماع إصراراً شديداً على دفع المبلغ المعلوم بل وطالب بزيادة عليه، على الرغم من الفتاتين أكرمتاه وقدمتا له الطعام والشراب، وبينما كان الجابي مشغولاً بتناول الأطعمة التي أعدتها سنة، يموت فجأة وبلا مقدمات، فقد كان رجلاً طاعناً في السن.

أدخلت حادثة موت الجابي الخوف والهلع في نفسي منة وسنة، فلا الشرطة ولا أهل الحي سيصدقون أن الرجل قد لقي حتفه قضاءً وقدراً، وشغل ذلك الحادث الفتاتين ففكرتا في كيفية الخروج من هذا المأزق، وقلبا الأمر ذات اليمين وذات الشمال، إلى أن توصلتا إلى فكرة تقطيع لحم الرجل الميت، وإعادة إنتاجه في قالب من الطين ليصنعا منه تمثالاً، وكانت تلك مهنة سنة التي تجيدها، وبالفعل بدأتا في تقطيع أوصال جثة الرجل وصناعة التمثال.

وبينما كانت كل من سنة ومنة منهمكتان في صناعة التمثال وصبه، يطرق الباب فجأة، وكانت أمام الفتاتين مفاجأة ثقيلة، حيث كان الزائر هو فتاة من الشرطة تبحث عن الجابي الذي تأخر وصوله إلى مكان عمله، وقد دلاها أهل الحي إلى منزل سنة ومنة، باعتباره آخر بيت طرقه الجابي، وبدأ الارتباك يظهر في حديث الفتاتين عندما سألتهما الشرطية عن الجابي، فقدما إجابات مرتبكة لكنهما في النهاية أنكرتا معرفة مكانه.

كانت الشرطية أثناء سؤالها للفتاتين مشغولة بالنظر إلى التمثال غير المكتمل، وسألت الفتاتين: لمن هذا التمثال؟ فقدمتا إجابة غير مفهومة، فخمنت الشرطية أن التمثال لابد أن يكون لعمدة الحي، فالتقطت الفتاتين تلك الفكرة لتؤكدا كذباً بأن التمثال بالفعل للعمدة، حينها فرحت الشرطية، وأخبرتهما بأنها ستذهب إلى بيت العمدة لكي تخبره وتحصل منه على مال ليساعد الفتاتين في إكمال التمثال.

*مأزق

وبالفعل تخرج الشرطية وتترك الفتاتين في حيرة شديدة، وبينما هما يتناقشان حول كيفية الخروج من المأزق إذ بالشرطية تعود مرة أخرى ومعها مبلغ من المال للفتاتين وتطلب منهما إنجاز العمل في مهلة ثلاثة أيام فقط، وقبل أن تغادر الشرطية تقوم بالاقتراب من التمثال لتتأمله، فتكتشف أن فيه أعضاءً بشرية مخلوطة بالجبص والطين، لتكتشف الجريمة، وقبل أن تلقي عليهما القبض تقوم منة بتوجيه ضربة قاتلة للشرطية لتموت في الحال.

وتنتهي حكاية العرض بمشهد ولادة منة، ليكون هذا المولود هو الطارق الأخير، الذي يرمز على استمرار الحياة رغم العتمة وظلام الحياة في الكثير من الأوقات.

أراد العمل أن يقدم نماذج من الحياة وبصورة خاصة عوالم البؤساء والمهمشين وما يلقون من عنت العيش، وكيف أن القدر يتدخل في بعض الأحيان بصورة غير متوقعة في حياة البشر.

العمل يحتشد بالأسئلة، ويحمل دعوة إلى التفكير والتأمل حول الحياة ومصير الإنسان في الحياة ومواجهة الظلم والاضطهاد، كما يعمل على إشراك المتلقي في ملء الفراغات، حول مصير الفتاتين ودافعهما في القتل.

*مقاربات

عمل مخرج العرض على تمرير تلك العوالم القاسية بالعديد من الحلول الإخراجية وعلى رأسها توظيف الكوميديا التي تقوم على المفارقات بصورة راقية وهادفة، كما قام المخرج بتكوين تشكيلات الديكور والسينوغرافيا بطريقة مبتكرة خدمت حكاية العرض كثيراً، وكان أروع ما في العمل تلك الأدائية التمثيلية الرائعة والراقية من قبل الممثلتين بدرية محمد، وبدرية أحمد، حيث قدمتا حوارية درامية رائعة، وساد بينهما التفاهم والتناغم.

*الخيار الأخير

واحتضن معهد الشارقة للفنون مسرحية «الخيار الأخير»، إخراج عبد الله محمد آل علي، وهو العمل الذي فاز بثلاث جوائز في الدورة الماضية من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، والجوائز هي: أفضل إخراج، وأفضل سينوغرافيا، وأفضل تمثيل، والعمل مقتبس في الأصل من رواية «وليمة للغربان»، للكاتب الأمريكيّ جورج ر. ر. مارتن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5b78t3ty

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"