عادي
نحن والآخر

الإيمان بالأنبياء والرسل أساس عقيدة المسلم

23:53 مساء
قراءة 4 دقائق

يتفرَّد الإسلام بأنه يجعل الإيمان، وليس مجرد الاعتراف بالأنبياء والرسل السابقين وبما أُنزِل إليهم شرطاً ضروريّاً للدخول فيه واعتناقه، ولا يكتمل إيمان المسلم إلا به، يقول الله تعالى: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» البقرة: 136. وحرص الإسلام على عدم التفرقة بين هؤلاء الرسل، فقال تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» البقرة: 285.

يؤكد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه لَبِنة في بنيان النبوة، وأن ثَمَّة علاقة وثيقة تجمع هؤلاء الأنبياء والرسل ورسالاتهم السماوية، فيقول: «إن مَثَلي ومَثَلَ الأنبياء من قبلي، كمثل رجلٍ بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لَبِنة من زاوية، فجعلَ الناسُ يطوفون به، ويَعجبون له، ويقولون: هلَّا وُضِعتْ هذه اللبنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».

ولا شك أن كل هذه الشرائع السماوية تتفق في الأسس والأصول من ضرورة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، يقول الله تعالى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» الشورى: 13، وذلك مع التأكيد على أن الاختلاف سُنة إلهية، يقول تعالى: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً» المائدة: 48، ويقول جلَّ شأنه: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» هود: 118 و119. كما أن اختلاف الألسن والألوان آية من آيات الله، يقول تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ» الروم: 22.

ومن ثَمَّ، فإن الإسلام والمسلمين لا يعترفون بالآخر فحسب، وإنما يؤمنون به، وبوجوده، وبأن الاختلاف سُنة إلهية، ومن ذلك ما أورده د.راغب السرجاني في كتابه «فن التعامل النبوي مع غير المسلمين»، حيث يؤكد تحت عنوان: «اعتراف الرسول صلى الله عليه وسلم بغير المسلمين»، أنه «منذ الأيام الأولى لهذه الدعوة الإسلامية الكريمة، والقرآن يتنزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يشرح له قصص الأنبياء الذين سبقوه، ولا يكتفي بذكر أخبارهم دون تعليق، بل إنه على الدوام يُعظِّم ويُبجِّل من شأن كل الأنبياء، وبلا استثناء». ويضيف أن «هذا النهج الكريم قد استمر في المدينة المنورة حتى بعد الصراعات التي دارت بين المسلمين واليهود تارة، وبينهم وبين النصارى تارة أخرى».

ويستشهد د. السرجاني بآيات القرآن الكريم التي ورد بها لفظ «موسى» و«عيسى» و«إبراهيم» أكثر من لفظ «محمد»، فيقول: «بالنظر إلى عدد المرات التي ذُكِر فيها كل نبي في القرآن، تدرك مدى الحفاوة التي زُرعتْ في قلوب المسلمين لهم، بل إننا نرى أن سبعة عشر نبيّاً قد ورد ذِكرهم أكثر من ذِكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مما يدل دلالة قاطعة على أن الإسلام يُجلُّ كل الرسل والأنبياء».

ولا شك أن السيرة النبوية الشريفة زاخرة بالمواقف التي تؤكد أن رسول الله لا ينصر المسلم على غيره لمجرد أنه مسلم، وإنما كان، صلى الله عليه وسلم، يدور مع الحق حيث دار، كما أمر المسلمين بعدم المفاضلة بين الأنبياء، ولم يستثن نفسه، فقد ذكر البخاري في «صحيحه» ما رواه أبوهريرة، رضي الله عنه، قال: بينما يهوديٌّ يَعرِض سلعته، أُعطِيَ بها شيئاً كَرِهَه، فقال: لا، والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فَلَطَمَ وجهه، وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب اليهودي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهداً، فما بال فلان لَطَمَ وجهي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لِمَ لَطَمْتَ وجهه؟» فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رُئِيَ في وجهه، ثم قال: «لا تُفضِّلوا بين أنبياء الله؛ فإنه يُنفَخ في الصور فيَصْعَق مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرض إلا مَنْ شاء الله، ثم يُنفَخ فيه أخرى فأكون أول مَنْ بُعِثَ، فإذا موسى آخذٌ بالعرش، فلا أدري أحوسِبَ بصعقته يوم الطور أن بُعِثَ قبلي، ولا أقول إن أحداً أفضلُ من يونس بن مَتَّى».

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى نفسه أحق من بني إسرائيل بموسى عليه السلام، فقد قال عندما وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء: «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نَجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال صلى الله عليه وسلم: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه. والشيء نفسه حدث في حق نبي الله عيسى عليه السلام، فقد قال رسولنا: «أنا أوْلَى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياءُ إخوةٌ لِعلَّات، أمهاتهم شتَّى ودينهم واحد».

ولعل اعتراف الرسول صلى الله عليه وسلم بالآخر من اليهود والنصارى، قد تجلَّى في التعامل معهم، وعقد المعاهدات معهم، مما يدل على الاعتراف بوجودهم، رغم اختلافه معهم في العقيدة، ورغم ذلك لم يكرههم على تغيير دينهم، رغم حرصه صلى الله عليه وسلم على مصيرهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» يونس: 99، كما أن المبدأ العام للإسلام في تعامله مع الآخر «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» البقرة: 256.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/48k7aekr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"