ها نحن نقابل شهر رمضان المبارك، بعد عام مرة أخرى، شاكرين حامدين الله الذي مَنَّ علينا بفضله وبلغنا هذا الشهر الكريم، داعينه عز وجل أن يعيننا على صيامه وقيامه وأداء حق واجبه على أكمل وجه. هذا الشهر المبارك الذي تهفو له النفوس عاماً تلو عام، تنتظره بشغف وحب، تستعد له روحياً ونفسياً وجسدياً، تتعامل معه بكل خصوصية، ليس في المأكل والمشرب فقط، بل التقرب إلى الله بالطاعات والعبادات.
شهر رمضان المبارك الكريم الذي تعم نفحاته كل الأرجاء، وتصفو خلال أيامه ولياليه النفوس، فرصة حقيقية لكل محب لنفسه أن يفتح دفاتره ويعيد حساباته، يتخلص من كل ما علق به من أخطاء وأدران، يزيد على رصيد حسناته، يعترف بتقصيره في حق نفسه قبل غيره، يسمو عن الصغائر، يكون إلى الله أقرب تفكيراً وقولاً وفعلاً وعملاً.
هذا الشهر الذي يكرمنا الله بنيل شرف صيامه، منحة ربانية لها القيمة العليا في تهذيب النفوس وتطهيرها، لها نفحات لا يعرفها إلا من صفت نفسه حق الصفاء، أليس هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، والشهر الذي أيامه كلها خير وبركة، أليس هو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد فيه الشياطين ومردة الجن، وفيه ليلة القدر، الليلة التي هي خير من ألف شهر، وفيه ينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله بكرمه وجوده علينا عتقاء من النار كل ليلة، شهر تكثر فيه أسباب الغفران ويعظم الله فيه الأجر والثواب، ويجزل ويفتح أبواب الخير لكل راغب. ألا يكفي أن يقول الله لعباده عن هذا الشهر وصيامه «الصوم لي وأنا أجزي به»، لكي نعمل بكل صدق وإخلاص وسعي لصيامه بكل ما يستحق من آداب الصيام ومتطلباته لننال رضى الله ومغفرته، نصدق النية في مجاهدة النفس، والعمل على رضا الله قبل كل شيء بعيداً عن الأهواء والرغبات.
كان المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو النبي المرسل يبادر شهر رمضان بالطاعات والعبادات والاجتهاد والإكثار من الصلاة والعبادة والصدقات، أما في العشر الأواخر منه فكان يعتزل غيره وأهله ويعتكف في مسجده. أقبل الشهر الذي يترطب فيه اللسان بذكر الله وتلاوة كتابه، والتفكر في آياته، أقبل الشهر الذي أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. اللهم أعنّا على صيامه وقيامه وحسن عبادته.
رمضان مبارك علينا جميعاً وكل رمضان ونحن إلى الله أقرب.
