بيضة ودجاجة في الثقافة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تعتقد أن طرح القضايا الجادّة، غير مناسب في شهر رمضان؟ حسناً، ما رأيك في شيء من التسلية، كالبحث مثلاً عن مسألة تشبه طُرفة البيضة والدجاجة؟ خذ هذا المشهد: منذ أكثر من قرن، حتى لا نقول منذ سقوط بغداد على أيدي المغول الأوائل، والعالم العربي بين نكبة ونكسة، حتى غدت أوضاعه نكتة. علاقة الأحوال بالدجاجة والبيضة، هي: هل السياسة المسؤولة عن مسيرة طويلة كجلمود صخر حطّه الغرب من علِ، أم الثقافة هي التي يجب جرّها إلى الإقرار بسبق الإصرار على الاجترار وتكرار الاغترار واستمراء الاستمرار في الانجرار إلى حيث لا قرار ولا استقرار؟ في قصة البيضة والدجاجة، ذكر القلم سابقاً أن البحث العلمي اكتشف أن وجود الدجاج يعود إلى عشرة آلاف عام، بينما البيض يرجع إلى مئتي مليون عام، في عصور الدناصير.

سيكون تنقيبنا أقصر أنفاقاً ومتاهات، فحبل الفلسفة في تاريخنا قصير. منطقيّاً، الثقافة هي المسؤولة عن طرائق أداء الأدمغة. ثم إن كل ميادين النظريات والتنظيرات في السياسة والاقتصاد والاجتماع والنفس ومكوّنات الثقافة، تنبع من عيون ثقافية، حتى العلوم في جذورها البعيدة، إنما نشأت من الفلسفة، أمّ العلوم.

من الضروري تشكيل أوركسترا فكرية فلسفية، من أدمغة ذات تخصصات في جميع المجالات، من بينها التربية والتعليم ولا شك، لبحث القضية المصيرية في دنيا العرب: هل يُعقل أن يكون منسوب الأداء في ميادين الحياة كلها دون الحدّ الأدنى في جلّ البلاد العربية؟ هل يمكن أن تظل الشعوب، منذ التاريخ الحديث، بلا مناعة سياسية ودفاعية، بلا زراعة وصناعة، بلا مناهج متطورة، ولا مراكز بحث علمي؟ لم تعرف العربية ضعفاً منذ الجاهلية كضعفها اليوم. الثقافة والفنون حاليّاً بلا روّاد. دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية أعلى صوتاً من العرب في الدفاع عن قضايا العرب. أكمل أنت ففهرس هذه القضايا أطول من فهرست ابن النديم. هذه رائعة أخرى من فضائل الشهر الفضيل، فلا يستطيع المرء أن يتذرّع بأنّ في فيه ماءً، وإلاّ لقيل: وما لك لا تصوم، بينما تصوم الدهرَ عن شرح أحوال الأمّة؟

لزوم ما يلزم: النتيجة التجريدية: مأساة الثقافة تجريدها من أن تكون مجمع العلوم والمعارف. في الإنجليزية تداخُل كلمتي الثقافة والحضارة في مفردة «كلتشر»: (شجرة الحضارة، تري أوف كلتشر).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3wxajp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"